محمود سلطان
ثم يسأل البعض ببلاهة.. لماذا نحن في الحضيض؟!
قناة "تي. إم. سي" الفرنسية، تبث كل ليلة برنامجًا ساخرًا اسمه "لوكوتيديان".. كشف مقدم البرنامج، أن وزير الداخلية الفرنسي "برونو لورو"، قام بتوظيف ابنتيه القاصرتين، كمساعدتين له في مبنى الجمعية الوطنية "البرلمان"، براتب قدره 55 ألف يورو، دُفع لهما من الخزينة العامة لعدة سنوات إلى غاية 2016.. وهما لم تتجاوزا السن القانونية، ولم تكملا تلك المهام التي كانت مطلوبة منهما.. وورد في تقرير البرنامج أيضًا أن ابنتي "لورو" أنجزتا تلك المهام خلال عطلتيهما المدرسية، وأورد تصريحًا للوزير يقول فيه، إنه لم يوظف ابنتيه بشكل دائم.
وفي التفاصيل أفاد البرنامج التليفزيوني، "بأن الفتاتين بدأتا العمل مع والدهما في سن 15 أو 16 عامًا، وحصلت إحداهما على 14 عقدًا لمدة محدودة، والثانية على عشرة عقود مماثلة بين 2009 و2016، وحققتا دخلًا بلغ في المجموع حوالي 55 ألف يورو.
وأكد أن بعض الفترات التي عملت فيها الفتاتان مساعدتين برلمانيتين تتعارض مع دورات تدريب أو الدراسة الجامعية في صيف 2013 لإحداهما وعشرين يومًا في مايو 2015 للثانية.
ولأن الإعلام هناك لا "يوهجص" مثل إعلامنا التافه.. فإنه في اليوم التالي، قرر النائب العام الفرنسي على الفور، وبلا تردد التحقيق مع وزير الداخلية.
ولأن هناك دولة تحترم الرأي العام ولا "تستعبطه" أو تحتقره أو تستعلي عليه، عقد وزير الداخلية بنفسه مؤتمرًا صحفيًا، أعلن خلاله أنه قدّم استقالته، "إحساسًا منه بالمسئولية.. وقال: "لا أريد بأي ثمن أن يتسبب الجدل الدائر في الإضرار بعمل الحكومة"، مضيفًا: "مسئوليتي هي حماية العمل الحكومي لذا تقدمت باستقالتي لرئيس الجمهورية".
وأصدرت النيابة العامة، بيانًا قالت فيه: "إنه تم إسناد التحقيق للمكتب المركزي لمكافحة الفساد والمخالفات المالية والضريبية".
وفي مصر فإن التبلد و"الاستعباط" هو القاسم المشترك، بين كل النخب التي تعاقبت على إدارة شئون البلد منذ يوليو 1952 وإلى الآن.
لن نسمع عن مسئول واحد، قدّم استقالته على خلفية واقعة فساد، فإما أن يظل في موقعه إلى درجة التأبيد، حال كان موضع رضا الباب العالي، أو أن يترك فريسة للأجهزة الرقابية، حال فكر أن يتمرد على سيد الاتحادية.
في مصر لا توجد مؤسسات تراقب بعضها البعض.. وإنما يوجد سيد واحد، يمسك في مكتبه السيادي الرفيع، بالريموت ويتعامل مع البلد بوصفها شاشة "جيم" يلعب ويتلاعب بها، ولا يُعصى له أمر.
ومن كاريكاتورية المشهد المصري، أن تجد من يحدثنا عن دولة القانون.. يتصدر هو القوى التي تهدر القانون ولا يحترم إلا قانونه هو.. ولا يحترم الدستور.. إلا دستوره هو.. ومن المضحك أن يلحق أولاده وأحفاده وعائلته للعمل في المهن السيادية وذات الوجاهة الاجتماعية.. ثم يقف بين الناس خطيبًا، ويعدهم بتحقيق العدالة والمساواة بين أفراد الشعب!! ويطالب الناس بإبلاغه عن أية واقعة وساطة أو رشوة..!!
ثم يسأل البعض ببلاهة.. لماذا نحن في الحضيض؟!