الأهرام
ابراهيم فتحى
الانتعاش الاقتصادى العالمى ... آمال ومحاذير
أدت الأزمة الاقتصادية فى الثلاثينيات فى الغرب إلى تنظيمات احتكار الدولة للاقتصاد الرأسمالى كمخرج من الأزمة والكساد، وهى ثمرة فكر كينز الذى ظل يصور بوصفه منقذًا للرأسمالية من الأزمة. وكانت هناك أسطورة خلقها مصلحو الرأسمالية هى أنها قادرة على تجنب الأزمات. ولكن الأزمات استمرت فى الواقع الفعلي، فكانت هناك أزمة بعد الحرب العالمية الثانية ثم تداعى نظام المستعمرات. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى اطمأنت الرأسمالية إلى دوامها وإلى أن شعار أن يصبح الإنسان ثريًا هو الضمان المادى لكل الحريات الأخرى، وإلى أن الفشل والإخفاق هو قدر كل تجربة اشتراكية دون النظر إلى أسباب فشلها. ولكن الرأسمالية عجزت عن التغلب على البطالة وتحقيق معدل مرتفع وثابت من النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى أزمة العملة المزمنة وأزمة الطاقة. وتزداد أزمة الاقتصاد الرأسمالى تعمقًا بعد أن كفت الرأسمالية اليوم عن أن تكون طبقة تقدمية كما كانت عند نشأتها فى القرن الخامس عشر. ويعترف بعد كبار الاقتصاديين السياسيين مثل جالبريث بأن الاقتصاد السياسى الحالى يمر بأزمة.

وبعد الأزمة الاقتصادية الطاحنة فى العقد الماضى يشهد العالم لأول مرة منذ 2010 انتعاشًا مؤقتًا مثيرًا للدهشة. فالعالم الغنى والاقتصادات النامية معًا شهدت جميعًا نموًا مفاجئًا وعلى الأخص فى قطاع الصناعة ربما يكون قصير الأمد بعد أن عانت أنواعًا من الانكماش وإشارات أزمة كانت أقوى فى أكثر الأجزاء دورية من الاقتصاد العالمي. وكانت هناك أسباب للقلق كديون الصين المتراكمة وتفاقم المشاكل فى منطقة اليورو. ولكن بعض المحللين يرصدون براعم خضراء وسط الانكماش. فلمدة ستة أشهر أو ما يقرب منها توجد شواهد على فاعلية متزايدة، وكانت أوضح فى اقتصادات آسيا المتجهة إلى التصدير، ولكنها مرئية فى أوروبا وأمريكا وحتى فى الأسواق البازغة التى ضربت بشدة مثل روسيا والبرازيل. والإشارات أقوى فى أكثر الأجزاء دورية مثلما كانت فى الانكماش، وعلى الأخص الأجزاء الصناعية. وفى أمريكا ارتفع معدل الفائدة للمرة الثانية فى ثلاثة أشهر بفضل قوة اقتصادها والنمو فى العالم ككل. وفى اليابان نما إنفاق رأس المال فى الربع الأخير بأعلى معدل فى السنوات الثلاث السابقة. وفى أوروبا يتسارع النمو منذ 2015 وانخفضت معدلات البطالة. وفى آسيا توسع التصدير فى تايوان لمدة اثنى عشر شهرًا متواليًأ وارتفعت صادرات كوريا بنسبة 20% فى فبراير. وربما يعود ذلك النمو جزئيًا إلى ازدياد الطلب على الالكترونيات حول العالم، فصادرات تايوان ارتفعت بنسبة 28% فى فبراير. ولكن هناك اعتقادا بأن أسباب النمو تتجاوز ذلك المؤشر، فالإنفاق على الآلات يتزايد ومعدلات البطالة فى أمريكا وأوروبا تنخفض.

ويمكن رصد جذور الانتعاش الاقتصادى الحالى إلى بدايات عام 2016 حيث أمكن تجنب مصيبة محتملة فى نهاية عام 2015 حينما تعثرت البورصات مستجيبة لقلق متجدد حول اقتصاد الصين. فأسعار بوابة المصنع التى كانت تتناقص بدأت فى الانهيار وساد اعتقاد بأن الصين ستخفض عملتها خفضًا شديدًا لتزيد من صادراتها وأرباحها وخدمة ديونها. وأدت التوقعات عن اتجاه اقتصاد الصين للضعف إلى خفض أسعار المواد الخام إلى أدنى مستوى منذ 2009. وانخفض سعر البترول إلى أقل من 30 دولارًأ للبرميل فتأثر الاقتصاد فى روسيا والبرازيل اللتين كانتا تعانيان الانكماش. لكن الصين سارعت بحماية عملتها اليوان بإنفاق 300 بليون دولار من احتياطى العملة الأجنبية لديها واتخذت إجراءات مشددة لمنع تسرب الأموال للخارج، وخفضت الضرائب على السيارات الصغيرة، وضخت البنوك أموالاً فى الاستثمار. وأسهمت كل تلك الإجراءات فى حماية اليوان، وارتفع الناتج المحلى الإجمالى الذى كان يتراجع. ومع تراجع القلق حول اقتصاد الصين بدأ الإنفاق يتزايد وارتفعت معدلات الاستثمار فى العالم مع ازدياد الأرباح.

هناك إذن علامات للتعافي، ولكن هل يمكن الثقة فى استمراره؟ التعافى من أزمة الديون عادة ما يكون بطيئًأ ومؤلمًا، والعالم يعانى تبعات أزمة الرهن العقارى التى بدأت منذ عشرة أعوام وأزمة الديون فى أوروبا والانخفاض الحاد فى اقتراض الشركات فى الاقتصادات البازغة. ولكن بعض المحللين الاقتصاديين يرون أن المرحلة المؤلمة من إعادة التوازن الاقتصادى فى طريقها إلى الحل. فعجز الموازنات فى دول كثيرة يتجه للانخفاض وبالتالى ينخفض الاقتراض الخارجى وتقوى عملاتها وتصبح قادرة على المنافسة. ويشجع انتشار التحسن من آسيا إلى أوروبا وأمريكا على مزيد من الثقة فى التعافى والنمو. وهناك تفاوت فى التحسن بين بلدان العالم، فالناتج المحلى الإجمالى فى الهند وإندونيسيا أكثر ثباتًا منه فى تركيا وجنوب إفريقيا. والانكماش الحاد فى اقتصاد روسيا والبرازيل ينتهى لتعود القوة الشرائية للمستهلكين. ولكن هناك محاذير تتعلق بارتفاع الأسعار والمبالغة فى التوقعات التى تعتمد على الخطوات التالية للصين. وربما تكمن مفارقة فى أن الأسواق الرأسمالية العالمية تترقب قرارات مؤتمر الحزب الشيوعى الصينى فى الخريف. وهناك قلق من أن نجاح رءوساء شعبويين مثل ترامب يتبعون سياسات حمائية سيدفع بالاقتصاد العالمى إلى عدم الاستقرار.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف