المساء
محمد جبريل
طاهر البرنبالي
كان أول لقاءاتي طاهر البرنبالي في قصر ثقافة الزقازيق قدم وجهة نظر مغايرة لما أثاره المتحدثون في الندوة. أضاف لنظرتي المتسائلة: اسمي طاهر البرنبالي.. ظني أنك تتفق معي في الرأي!
صرنا أصدقاء وتردد ــ بقدر ما واتته ظروفه الصحية ــ علي ندوتي بالمساء تعرفت فيه إلي أنقي تجليات الطبيعة الإنسانية. وحين أفصح مرض الكبد عن تأثيراته. وبدا ملحاً إجراء عملية نقل كبد لم تكن متاحة في مستشفياتنا آنذاك. استجاب أنس الفقي وزير الإعلام الأسبق لدعوتي بضرورة إنقاذ الموهبة الشعرية الجميلة. وحصل علي موافقة المسئولين بإجرائها.
ظلت علاقتي بطاهر علي توثقها. وإن أدنت له ــ دوماً ــ بفضل المبادرة وبعد أن أقعدتني العملية الجراحية الفاشلة. حرص علي اتصالاته الهاتفية. نتكلم لمجرد أن نتبادل حواراً. عبارات تفد إلي الذهن. فتنطقها الشفاه. يعلو صوته بالدعاية. فأتصور أن المرض صار من الماضي. يقرأ لي أسطراً من قصائده الجديدة. يكلمني عن مشروعاته للمستقبل. وبعد رحيله. فاجأتني زوجتي أنه كان يلح ــ في مكالماتهما الهاتفية ــ بالسؤال عن حالتي الصحية. التفصيلات الدقيقة. وإمكانات العلاج.
الموت حق. لكن موت طاهر فاجأني. اطمأننت إلي أحاديثه المداعبة. المتناسية. رغم أن نظري إلي المستقبل في التفاتاتي إلي الوراء. بينما لم تكن الظروف قد أتاحت له أن يصنع المستقبل الذي يطمح إليه. وأثق أنه كان سيصنعه.
لعله الإحساس بالذنب للانشغال بالإجابة دون السؤال. الصمت عن محاولة التعرف إلي المسكوت عنه في محنة صديقي الجميل. أعرف أنه لم يكن بمقدوري أن أفعل شيئاً. لكن مجرد التعرف إلي حقيقة ما كان يعانيه. وحرصه علي المداراة. أشعرني بالذنب. وبسخف كل شيء. حتي محاولة التعبير عن حبي للطاقة الإنسانية النورانية التي عبرت حياتي.
أما لماذا أمسكت القلم. وحاولت أن أكتب عن طاهر البرنبالي. فلإصرار مجايليه ــ وكانوا في شبابهم أعضاء في ندوة المساء ــ أن يدافعوا عن قيمته وفنه وذكراه.
عاني طاهر البرنبالي مشقة التنقل بين مستشفيات التأمين الصحي والمستشفيات الخاصة. وصمت من يمتلكون الفعل الإيجابي.
للأسف. فقد كان لكلمتي الداعية إلي إنقاذه تأثيرها في وجدان وزير ينتمي إلي ما قبل ثورة يناير. بينما اكتفي من تولوا قيادة العمل الثقافي. في فترة معاودة المرض. بالصمت السخيف. ثم بعبارات التعزية التي تعكس العجز عن إبراء الذمة!
من واجبي. ومن حق مسعود شومان ويسري حسان وسعيد شحاتة وغيرهم ممن حاولوا التحرك قدر ظروفهم وإمكاناتهم. أن أقدر ما صنعوه من أجله في حياته. وبعد الرحيل.
رحيل طاهر البرنبالي يمثل وجهي الصورة: التخاذل واللامبالاة والصمت القاتل والعبارات الإنشائية. في مقابل الإصرار علي أن يظل البرنبالي بتميزه وقيمته في إبداعنا الحديث. وهو ما أثق أن أصدقاءه أحسنوا صنعه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف