مؤمن الهباء
كارثة كفرالشيخ.. ودلالاتها
إذا أردت أن تعرف حجم المأساة التي يعيشها السواد الأعظم من المصريين فما عليك إلا أن تطالع الصور والفيديوهات المنتشرة علي مواقع التواصل الاجتماعي لكارثة "ملتقي التوظيف في كفرالشيخ" التي جرت وقائعها يوم الاثنين الماضي ونشرت تفاصيلها صحيفة "المساء" في اليوم التالي.
الكارثة بدأت بدعوة محافظ كفرالشيخ منذ ما يقرب من شهر لعقد هذا الملتقي في الاستاد الرياضي بمدينة كفرالشيخ بحضور عدد من الوزراء وأعضاء مجلس النواب ورجال الأعمال والشخصيات العامة مع ممثلي 80 شركة.. وكان من المتوقع أن يحضر الملتقي بضعة آلاف من الشباب والشابات الباحثين عن فرصة عمل كريمة.. خصوصاًً أن ما نشر عن الوظائف التي تم توفيرها كان كفيلاً بمداعبة أحلام وطموحات جيوش العاطلين.. وقد قيل لهم إن الوطائف ستكون في شركات استثمارية والرواتب ستتراوح ما بين 1500 و3500 جنيه والتعيين سيكون طبقاً لقانون العمل لضمان حقوق العامل في مرتب معقول وتأمين صحي واجتماعي وأرباح وعلاوات وإجازات سنوية وسكن للمغتربين.
كل هذه الأحلام والإغراءات كانت كافية جداً لبث الروح في جيوش العاطلين الجالسين في بيوتهم والذين استسلم معظمهم للإحباط والأمراض النفسية.. لذلك كان طبيعياً أن تزحف هذه الجيوش بالآلاف إلي الاستاد في يوم الاثنين الحزين لتقاتل من أجل الوظيفة.. ولو ضحت في سبيل ذلك بأرواحها.
وربما تسأل: لماذا لم يفكر المحافظ وأجهزته المعاونة في تلقي طلبات التوظيف عن طريق الإنترنت كما تفعل كل الشركات الآن لتجنب الزحام والخسائر ثم يتم تصنيف الطلبات وتوجيهها حسب احتياج الشركات.. وأقول لك إن المحافظ ربما أراد أن يستثمر المناسبة ويحولها إلي مهرجان شعبي.. تلقي فيه الكلمات وتدور فيه كاميرات التصوير.. ليصبح الملتقي إنجازاً في حد ذاته بصرف النظر عن النتائج التي سيحققها فعلياً للشباب.. لكن الذي حدث كان كارثة بمعني الكلمة.
لقد فوجيء المحافظ وضيوفه بجيوش العاطلين من الشباب والشابات الذين جاءوا من مراكز ومدن المحافظة يحملون أوراقهم وشهاداتهم.. واحتشدوا في الاستاد وخارجه آلافاً مؤلفة.. قدرها المحافظ بـ 80 ألفاً.. وقدرها آخرون بضعف هذا العدد.. تكدسوا في الاستاد وأغلقوا الشوارع المحيطة.. وتحوَّل المشهد الذي كان مقدراً له أن يكون احتفالياً إلي مشهد رهيب مخيف.. قال شهود العيان إنه يوم الحشر.. وقالت "المساء" إنه مهزلة كبري أصيب فيها 79 شاباً وفتاة دهسوا تحت الأقدام بإصابات بالغة وسجحات وكسور مختلفة واختناقات شديدة وإغماءات وكدمات.. كل ذلك بسبب الجري وراء وهم الوظيفة في شركة استثمارية.
وقد لفت الأنظار في هذا المشهد العصيب أن معظم الباحثين عن وظيفة تجاوزت أعمارهم الثلاثين والأربعين عاماً.. ولديهم زوجات وأولاد.. أي أنهم إما عاطلين تماماً وغير قادرين علي كسب أرزاقهم أو أنهم يعملون في أعمال متدنية لا توفر لهم ولأسرهم الاستقرار المطلوب.. ومن ثم رأوا أن من حقهم أن يقاتلوا من أجل وظيفة تتناسب مع شهاداتهم.. وتسمح لهم بالاستفادة من التعليم الذي حصلوا عليه لكي يعطوا ويبدعوا ويطوروا من أنفسهم.. وإلا فما فائدة التعليم؟!
كما لفت الأنظار أن بعض المستشفيات رفض استقبال المصابين كما ورد في التقرير المنشور بـ "المساء".. رغم الحالة الحرجة التي كان عليها بعض هؤلاء المصابين.. خاصة المصاب محمد عبدالوهاب متولي ــ 44 عاماً ــ الذي أصيب بارتجاج في المخ أثناء تقديمه أوراق الوظيفة وعاش في غيبوبة لساعات طوال.
والآن..
هل اهتم أحد بالتحقيق مع هذه المستشفيات المتقاعسة؟
وهل تم محاسبة المسئولين عن تنظيم هذا الملتقي "الكارثة"؟!
وهل أدرك المسئولون في هذا البلد الحجم الحقيقي لأزمة البطالة وما يمكن أن ينجم عنها؟!
ثم.. إذا كان هؤلاء الذين رأيناهم في الصور والفيديوهات هم ضحايا البطالة في كفرالشيخ فقط فماذا يمكن أن يكون عليه الوضع بالنسبة لضحايا البطالة في مصر كلها؟!.