جمال سلطان
أريد أن أعرف من أين يأتون بهم !؟
هذه الرسالة أتتني من مواطن مصري مهاجر في الولايات المتحدة ، يعلق فيها على تصريحات وزير التعليم الجديد ، وأنشرها بنصها ، وحتى بالعنوان الذي اختاره ، يقول في رسالته التي بدأها بشرح سبب سؤال عنوانه :
أعني هنا من يتوسدون مراتب الوزراء في مصر (أو من يوسدون هذه المراتب) وخاصة منصب وزير التعليم.
كلما طل علينا وزير نفاجأ بأنه غير مختص في مجال عمل وزارته ووزير التعليم ليس استثناءا فنجد أن همه الأهم وشغله الشاغل هو الثانوية العامة، رغم أنها أصبحت لكثرة التطوير والتعديل أشبه بثوب مهلهل لا معنى له ولا طعم. هل نقبل أن يأتي كل وزير للتعليم لينتقم من الثانوية العامة مستذكراً عذاباته معها أو عذابات أقاربه والمحيطين به؟
ولماذا يجب أن نقبل أن يظل مخرب للتعليم (لا وزيراً) كحسين كامل بهاء الدين، مثلا، في منصبه وهو الذي كانت كل التقارير، الرصينة، تشير لفشله عكس كل التقارير المشتراة، والتي كانت تنشر كل أسبوع تقريباً، حتى أتت الطامة وفشلت مصر (كالعادة) في مسابقة تعليمية عالمية ليصدر أوامره بتحويل كل مناهج المرحلة المتوسطة (الإعدادية) لتناسب هذا الإمتحان دون أي إعتبار لخطط تعليمية سابقة لهذه المرحلة أو لاحقة لها!؟
أصبحت الثانوية العامة "ملطشة" لكل مراهق فكري أسعده حظه بأن يكون عميلاً لأجهزة أمنية يتربى على يديها إلى أن يصبح وزيراً! فإذا كان الوزير من أبناء الفقر والعوز في بدء حياته، أي من أبناء الثانوية العامة، فهو ينتقم منها ومن زملائه ممن تفوقوا عليه فيها، وإذا كان من أبناء الـ GCE (شهادة الثانوية الإنجليزية السابقة على الـ GCSE) فإنه يعبر عن امتعاضه من زملاءه من الحاصلين على الثانوية العامة وكانوا أفضل منه علمياً في كليته بأن ينتقم منها أيضاً!
يا سادة يا مسئولين، إن اعتمادكم على ربائبكم الأمنيين واختياراتكم من مجموعة صغيرة من العائلات المتنفذة (هل تحبون أن أعددها لكم؟) ومجموعة أخرى من أعضاء الخلايا الأمنية جعل أمر التنبؤ بهم وتوقع قراراتهم من أبسط الأمور لدي الأجهزة المناظرة لكم في دول تتابع أحوالكم وتراقب تصرفاتكم!
يا سيادة المسئول الأول، ويا سادة يا سكرتارية المسئول الأول إن مشكلة التعليم الأساسية في بلدكم هي الفقر (أوي أوي.) الفقر المعنوي المتمثل في انعدام الرؤى وانعدام المختصين المخلصين وانعدام الإرادة الحقيقية لتعليم الناس حتى يسهل قيادهم؛ ثم الفقر المادي (الفلوس يعني) الذي يتسبب الفقر المعنوي في إهدار مواردها وعدم التخطيط الجيد لاستخدام المتبقي منها.
مشكلة التعليم في المرحلة الابتدائية هي تعليم التلاميذ الأسس للقراءة والكتابة والتعبير والنحو والحساب (مش الرياضيات،) ومبادئ العلوم وليس كما هو من تدريس جميع أعضاء الجسم والأجهزة الحيوية بطريقة عمل تفصيلية لطفل (طفل!) في العاشرة من عمره!
مشكلة التعليم هي فقر الدولة (أوي أوي) وعدم استطاعتها توفير المدارس والكتب والمكتبات والمراجع للطلاب، والأجور والرعاية والدورات التدريبية للمدرسين.
مشكلة الثانوية العامة، أن الدولة الفقيرة (أوي أوي) غير قادرة على توفير أماكن (لا تعليم) لمن يتخطى الثانوية العامة في ما تعرف بالجامعات وبالتالي فالحد من طالبي هذه الخدمة هو أسهل وأوفر حل يقدمه الوزير لرئيسه ليوفر عليه عناء النفقة ويزيد من أعباء الأمن، الذي، وياللسخرية، بالتالي، يطالب بما توفر من نفقة التعليم لزيادة ترسانته ليضمن الأمن!
التصريحات الأخيرة لوزير التعليم تشي بأنه على غير علم بما كان يقوله فتحي سرور حين كان وزيرا للتعليم بأن الثانوية العامة مرحلة منتهية، وأنها يجب أن تعتبر كمسابقة بين الطلاب وما إلى ذلك من أماني وأوهام ثبت فشلها واستمر نظام الثانوية العامة كما هو.
الحديث عن حاجة السوق، وتعليم الخريجين حرفا يدوية يحتاجها السوق وما إلى ذلك من "تخاريف" يحاول مروجوها تحويلها لواقع ستفشل (بدليل مظاهرات طلاب الثانوية العامة لمجرد تأجل امتحان عدة مواد بسب تسريب الامتحانات والغش الجماعي) وستفشل، والسبب بسيط.. إنكم بمحاولاتكم هذه تحرمون الفقير وغير القادر من حق الحلم. الحلم بمستقبل أفضل لأولاده عقب فشله في تحقيق حلمه هو، الحلم بمكانة مجتمعية أفضل، الحلم بالسفر للخارج لتوفير النفقة والمئونة وغيرها من أحلام في نفوس البسطاء هي من أسس حقوقهم التي كانوا سيعرفونها حتما لو كانوا تعلموا تعليما حقيقيا أو كانوا في بلد يعامل فيه الناس كلهم معاملة سواء.
الحديث عن التعليم طويل وذو شجون وقد أبتلينا بمن يفرض علينا الدفاع عن المتاح البائس لا الحديث عن التطوير والتحديث الدائم.
انتهت الرسالة التي وصلتني من المصري المهاجر بالولايات المتحدة الأمريكية الدكتور حاتم حجاب