على الفاتح
3 ملايين مصري يسمعون داعش.. ولا يسمعوننا..!
بدعوة كريمة ومحبة من الصديق والكاتب الصحفي عماد سيد أحمد، أبدأ الكتابة في صحيفة «المصري اليوم»، وبقدر الحب الذي استشعرته في نبرات صوت عماد وجدت ثقة أرجو أن يكون ما أطرحه جديرًا بها.
ولأن (المصري اليوم) تجسد الصحافة الليبرالية باستيعابها كل الآراء والأفكار متباينة المشارب ومختلفة الاتجاهات أسطر أول كلماتي فيها دفاعًا عن حق نحو ثلاثة ملايين مصري من ذوي الإعاقة السمعية، لتمكينهم من أدوات المعرفة والاطلاع على كل ما يدور في الوطن، والتعرف على تاريخه وثقافته.
من شاهد فيديوهات التنظيم الإرهابي داعش المترجمة إلى لغة الإشارة والتي بدأ بثها على موقع اليوتيوب من مارس 2015 حتى اليوم، ويعرف الجريمة التي ترتكبها وزارة التربية والتعليم ضد أبنائنا من الصم يُدرك أن الاهتمام بتعليمهم وتثقيفهم يشكل أخطر قضايا الأمن القومي المصري.
داعش لجأت إلى تجنيد الصم في العراق وسوريا وليبيا من خلال نقل أفكارها إلى عقولهم باستخدام لغة الإشارة ووجدت فيهم فريسة ربما أسهل بكثير من غيرها، بسبب حرمانهم من حقوقهم في الوصول إلى مصادر المعرفة والثقافة، ولا أتصور أن واقعهم يختلف كثيرًا عن واقع مواطنين من ذوي الإعاقة السمعية، لكن يقيني أن وزارة التربية والتعليم تنتهك حق الطلاب الصم في تعلم القراءة والكتابة حتى إن خريجي مرحلة الدبلوم الفني يقرأون، ويكتبون أسماءهم بالكاد.
وقبل سنوات أجريت تحقيقًا مصغرًا مع عدد من الشباب، ووجدت أغلبهم يجهل التاريخ المصري برمته ولا يميز بين الحقب التاريخية المختلفة من محمد على باشا إلى الرئيس الأسبق حسني مبارك، بخلاف جهلهم برموزنا الثقافية والفنية والسياسية، وقطاع كبير منهم لا يدرك حقيقة ما جرى في يناير 2011، ولا يعرف لماذا جاء محمد مرسي رئيسًا ولماذا ذهب.
إنهم ببساطة صفحة بيضاء لم يخط فيها المجتمع سطرًا واحدًا؛ فمعلمو التربية والتعليم يعاملونهم كمجموعة من المتخلفين عقليًا، والأمر لا يعدو بالنسبة لهم كونه سبوبة لأن الوزارة تعطي مزايا مالية للمدرسين الملتحقين بالعمل في إدارة التربية الخاصة.
أما باقي الوزارات والهيئات المعنية كالثقافة والشباب والرياضة والتليفزيون المصري ومكاتب النيل للإعلام التابعة للهيئة العامة للاستعلامات، فأكاد أقطع أنهم لم يسمعوا أصلًا أن في مصر مواطنين معاقين سمعيًا لهم احتياجات معرفية وثقافية شأنهم شأن باقي أفراد المجتمع.
يكفي داعش أن تصل إلى مائة شخص أصم فقط لتجند جيشًا كبيرًا يؤمن بأفكارها، ويعتقد أن ما تقول به هو الدين الصحيح، وعاملتهم كأشخاص كاملي الأهلية واحترم آدميتهم، ثم باعتهم معتقداتها العفنة عبر لغة الإشارة.
قطعًا ما أقوله ليس حكمًا مطلقًا على كل ذوي الإعاقة السمعية؛ فمنهم من تجاوز إعاقة المجتمع لقدراته كإنسان، وأصبح مهندسًا أو حتى حرفيا ماهرا، ومنهم المثقف والفنان المبدع، لكن الغالبية العظمى تعرضت لأبشع جرائم التهميش والتمييز.
ومن أكبر الخطايا التي تُرتكب ضد ذوي الإعاقة بشكل عام التعامل مع قضاياهم من زاوية العمل الخيري والإنساني، فتُركت لنشاط الجمعيات الأهلية التي سيطر عليها التياران السلفي والإخواني، ويكفي أن تعلم- عزيزي القارئ- أن مصادر المعرفة الدينية لدى فئة الصم يسيطر عليها مترجمو إشارة ينتمون لتلك التيارات، ويقومون بجمع الصم في مساجدهم وزواياهم لنقل ما يردده شيوخها من أفكار متخلفة ومتطرفة.
وأتصور أن حل المعضلة قد يبدأ عند اللواء أبوبكر الجندي، رئيس جهاز التعبئة العامة والإحصاء، ليقدم لنا ضمن الحصر الإلكتروني لتعداد سكان مصر رقمًا أقرب للدقة لأعداد ذوي الإعاقة بتصنيفاتهم المختلفة، حتى يمكن تحديد المشكلة وسبل التعامل معها من قبل أجهزة الدولة، لاسيما أنه قال في تصريح قبل عدة سنوات أن التعداد الرسمي لذوي الإعاقة في مصر 460 ألف نسمة، رغم أن تقارير منظمة الصحة العالمية تؤكد أنهم يمثلون من 10 إلى 15% من إجمالي تعداد السكان في الدول النامية.