الوطن
ريهام فؤاد الحداد
سعادة
السعادة حلم الجميع، بعضهم يراه بالمال والبعض الآخر بالتحقق والنجاح، أو الجمال أو الذكاء والدهاء، ويعتقدها آخرون فى الحب والزواج، أو بالأولاد والذرية، أو بالملابس الأنيقة والوسائد الوثيرة والسيارات الفارهة أو بالعطور والقصور؟!

لو سألت معظم البشر عن السعادة، لأجابوك بأولوياتهم فى الحياة، أو بأحلام عجزوا عن تحقيقها، وأكثرهم رضاً وقناعة، سوف يتمنون بقاء ما لديهم من نعم هم راضون عنها وبها، لكنك أبداً لن تجد معنى يجتمع عليه الجميع.

اهتمت الدول والمؤسسات العالمية بالسعادة، فوضعوا لها دراسات واستراتيجيات، بل ومقاييس ومعايير، لتبيان كيفية الوصول إليها والحصول على أعلى نسب بها، حتى إن قائمة دولية أُعدت تحصد أسماء وترتيبات دول العالم بحسب سعادة مواطنيها، تكون أولها أكثر الشعوب سعادة وتذيل القائمة باسم أتعسهم وأخيبهم أملاً!

لكن إن كانت دراسات السعادة تعتمد على أخذ عينات وشرائح عشوائية من جميع البلدان، مع الأخذ فى الاعتبار مستوى الدخل والترفيه والقوانين التى تحفظ للشعوب حقوقها بالسعادة والتحقق، ترى أتكون الدراسات بهذه الطريقة دقيقة؟ أرى أن الدقة التامة غير مضمونة لأن السعادة لها أسرار لا تعلن دائماً، بل وأحياناً لا تعقل!! كأن تجد مثلاً شخصاً مرفهاً ثرياً ذَا حظوة وسطوة ولا تجد بقلبه سوى الألم والمرارة، وبالمنطق ذاته ربما وجدت عجوزاً فقيراً مريضاً ويكون راضياً باسماً بشوشاً!!

سؤال يسلمنا لآخر، ترى هل الوجوه الباسمة الضحوكة هى السعيدة!!! والمستقرة والمرفهة، أيخبر المظهر الخارجى عما يعتمل بصدر وعقل الإنسان؟! كيف وقد خبرنا أن حياة معظم أبطال الكوميديا كانت عبارة عن مآسٍ وصعاب، وأن بعض الرجال والنساء الذين يغلب عليهم العبوس والجدية يكونون بالحقيقة عابثين أو يميلون للضحك والترفيه، إذاً فالمظهر دلالة غير دقيقة دائماً.

إذا كانت معايير قياس السعادة غير دقيقة، وإذا كانت أسبابها ليست دائماً واحدة، وإذا كانت مظاهر الناس وأحوالها ليست دليلاً قاطعاً على سعادتهم، إذاً كيف تدرك هذه الغاية الغالية؟!!

ما خلصت إليه وربما كان قابلاً للتعديل فيما بعد، إذ إن الإنسان كلما خَبِرَ الحياة وخَبِرَ أحوالها وأحداثها تغيرت مفاهيمه وتفتحت آفاقه، (فقد وجدت السعادة بالحكمة، والعقل)، تلك الحكمة التى تجعلك تدرك معنى الإيمان ومن ثَم الرضا، فأنت إن امتلكت الحكمة عرفت أن الحياة - طالت أو قصرت - فانية، وأن جديد اليوم يبلى غداً، وأن حبيب اللحظة مفقود فيما بعد أو مسافر أو غائب، وأن أموال الأمس ليست باقية اليوم وربما زادت غداً!! إن امتلكت الحكمة عرفت أنه ليست بالعطايا يسعد الإنسان إذا أُخذ منه ما يشقى روحه (كأن تُعطى المال والجاه وتُحرم الصحة، أو تؤتى الصحة وتفتقد المشاعر)، إلى آخره من متناقضات الحياة، التى تجعلك دائم البحث عما تفتقده لاعتقادك أن سعادتك به وليست بشىء سواه. الحكيم الراشد هو السعيد دائماً، لأنه يدرك أن الأمور تسير فى أعنّتها وأن كل شىء بقدر وما عليه إلا أن يسعى للسعادة ليدرك ما كُتب له ويرضى عن حرمانه من بعض أسبابها. الحكيم هو السعيد وهو المؤمن الراضى وذاته من يسعى لإسعاد الآخرين وإن افتقر هو شخصياً لأسباب السعادة، لعلمه أن السعادة عدوى طيبة وأن تسببك فى إسعاد البشر سعادة من نوع خاص ونبيل ومحترم، بل إن البعض يرهن سعادته بسعادة الآخرين.

هناك نماذج سلبية من بشر تكون عكس ما سبق، يتفننون فى إتعاس وعرقلة وإحباط من حولهم، يحركهم حقد وطاقات سلبية بشعة، هؤلاء وإن اجتمعت الدنيا تحت أقدامهم لن يذوقوا السعادة يوماً، فالسعادة طيبة لا تذهب إلا للأطياب، الراضين المؤمنين بأرزاق الله وبعطاء الله، السعادة حلم يحصده من يكون قلبه مهيأ لاستقبالها ولنثرها حوله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف