الأهرام
محمد صابرين
من يبيع الأمل فى مصر؟!
بدهشة قال سانجوى كيه روى مدير عام شركة «تيم ورك أرتس» الهندية: »عندما نظرت من غرفتى على منظر النيل الرائع تساءلت كيف يحجم الناس عن المجيء إلى هنا«، وعند سؤالي: «ماذا ينقصنا؟» قال الرجل ببساطة «إن تعرفوا أكثر» عن أوضاعكم، وأشار إلى أن مصر أكثر أمانا من أى جهة حتى فى لحظات الاضطراب التى مرت بها، وهذه النتيجة هى «خلاصة الأمر كله»! إنها تفسر لماذا لا يصل لمصر سوى 100 ألف هندى من بين 18 مليون سائح هندي، والمفارقة أن الرجل كان يتحدث خلال إطلاق مهرجان «الهند على ضفاف النيل» فى دورته الخامسة وعندما قلت له إننا «فيلم هندى» تدور وقائعه فى مصر الساحرة. قال لي: هناك مفاوضات منذ عامين، ولكن دولاً عدة تقدم مزايا، وعلى سبيل المثال أيرلندا تقدمت بإعفاءات ضريبية لصناع الأفلام الهندية لتصوير فيلم على أراضيها ـ وأحسب أن ما سوف يقفز هو السؤال: وأين مصر ومتى تتحرك؟ والإجابة لا شيء يتحرك إلا إذا وصل الرئيس وللأسف فإن العديد من الناس قد بدأ يساورهم بوادر خيبة أمل من أداء بعض الوزارات والهيئات، بل ولن نكون متجاوزين إذا قلنا بل من بعض الوزراء فهؤلاء فى نوم عميق، ويكفى أننى عندما أثرت موضوع التفاوض لجذب 5 ملايين سائح من الصين بدلا من الـ 180 ألفا الحاليين من بين 120 مليون سائح صينى يذهبون للخارج وينفقون 104٫5 مليار دولار.. لم يتجاوب أهل الاختصاص، ويبدو أن الرئيس عبدالفتاح السيسى بات هو والدائرة الصغيرة من الرجال والنساء الذين يساعدونه هم فقط من يحاولون «وضع مصر فى مكانها الصحيح» كما أن الرئيس السيسى حريص على أن «يصنع الأمل فى مصر». ويكفى أن تتأمل الرجل وهو يكرم أمهات مصر المثاليات وأمهات الشهداء، فقد كان يرسى قيما ويداوى جروحا ويمنحنا نحن الأمل فى مصر. ففى المقابل وبصراحة هناك الكثير ممن فى مواقع ترجمة سياسات الرئيس يتعاملون ليس مع المواطنين بتجاهل وتعال وتقصير فقط، بل يتعاملون مع كبار مساعديهم بمنطق«السادة والعبيد» ولقد استمعت إلى شكاوى عدة، وفى وزارات مختلفة، وأحسب أن هذه نقطة فى غاية الخطورة، وتفسر لماذا تفشل «السياسات»، ولماذا تشيع أجواء من فقدان الأمل . وهنا فإن نقطة البداية هى أن يدرك الوزراء والقائمون على الهيئات الحكومية أن إحباط «أهل الكفاءة» واستبعادهم لن يؤدى إلا إلى «ضياع الأمل» وتدهور الأحوال. وهنا علينا أن ندرك أن «البيروقراطية» انتصرت على الثوار وأهل السلطة «بالتمرد السلبي» وأحسب أن مصر لا تحتمل مواجهة لوبى الفساد والاحتكار وجماعات الإرهاب بالإضافة إلى «البيروقراطية المترهلة» وسيصبح الوضع فى غاية الصعوبة إذا ما ضاع الأمل من «أصحاب الكفاءة والضمائر» من أن جهدهم لا يقدر، وأن أحدا لا يشعر بهم أو يراهم . وبالرغم من هذا القلق المشروع إلا أن ما يدعو إلى التفاؤل هو «رهان الآخرين» على مستقبل مصر، بل والأهم على حاضرها. وفى حوار مع الوزير مارتن هاملتون سمث وزير التجارة والاستثمار والأعمال التجارية الصغيرة والصناعات الدفاعية بحكومة جنوب أستراليا قال «مصر عادت إلى الهدوء والاستقرار»، وأكد الوزير الأسترالى الذى جاء على رأس مجموعة كبيرة من رجال الأعمال الأستراليين أن مصر هى دولة محورية، والبوابة إلى إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط، وبها فرص واعدة للتعاون فى مجالات التعدين والثروة المعدنية والزراعة والثروة الحيوانية. وأحسب أن «صناعة الأمل» ليست «بإغراق مصر فى الكلام»، ولكن بالعمل. وأيضا بترجمة العمل على أرض الواقع. ومن هنا لا تزال معاهد الأبحاث الأمريكية تدرس وتراقب ما يجري. وقد نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أطروحات حول كميات النفط والغاز فى المنطقة التى تعرف جيولوجيا بـ «حوض النيل»، «حوض دول المشرق العربي». وبالرغم من أنها لا تمثل سوى جزء صغير من تلك المكتشفة فى دول الخليج إلا أن التوقعات الحالية والمستقبلية فى شرق البحر المتوسط «وخصوصا الغاز، ولكن بعد النفط أيضا» قد تحسن بشكل كبير اقتصاديات مصر، وقبرص ولبنان وإسرائيل والأردن. وتدعم التطورات الأخيرة فى المنطقة هذا التفاؤل. واختار سايمون هندرسون وديفيد شينكر لمقالهما عنوانا موحيا «التقدم الصامت» فى مجال غاز شرق البحر المتوسط، وأوضح الكاتبان أن مصر تعمل بسرعة من أجل وضع حقل الغاز البحرى «ظهر» فى الخدمة، وأشار إلى أن شركة «بى بي» البريطانية وشركة «روسفنت» الروسية اشترتا حصصا فى الحقل، وسوف تعمل شركة إينى الإيطالية على تطويره وهذه المسألة تقول إن العالم يراقب، ويتحرك بقوة نحو الفرص فى مصر.

ومن ناحية أخرى اهتمت مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى بالشركات المصرية الكبرى وفى دراسة للباحث عمرو عادلى أكد أنها، «أكبر من أن تسقط» وتناول الباحث بالدراسة أوضاع هذه الشركات بعد ثورة 2011. وأبرز ما خلصت إليه الدراسة هو تراجع النفوذ السياسى لهذه الشركات بعد انتقاضة 2011 ويشير الكاتب إلى جهود مبذولة لتفكيك «شبكات المحسوبية والتكسب» التى وجدت فى عهد مبارك بعنف، وجرى فرض مسافة مع هؤلاء لأنهم باتوا يشكلون «عبئا سياسيا» وخلاصة الدراسة هى أن النظام المصرى الجديد يعمل على إبعاد هؤلاء عن السياسة، والتأثير على سياسات الدولة، وأن يعمل وفقا للقواعد الاقتصادية والشفافية، وأحسب أن ذلك سيكون أمرا حسنا ـ وفى الوقت ذاته فإن جيمس ستافريدليس الكاتب الأمريكى كتب فى مقال فى مجلة «فورين أفيرز الأمريكية» تحت عنوان «مصر الآن فى أمس الحاجة إلى صديق»، يقول «إن الرئيس السيسى بحاجة إلى ما هو أبعد من مجرد مكالمة هاتفية من ترامب حتى يتسنى له توثيق أركان دولته، ويكشف الكاتب عن أنه من خلال مشاورات جرت ما بين خبراء فى الدفاع الأمريكى والحكومة المصرية، تأكد الطرفان من عدة أشياء: أهمها أن مصر ركيزة الاستقرار والأمان فى الشرق الأوسط، وأن الحكومة المصرية تهتم بالأمان أكثر من الكمال، مما يشير إلى أنها بصدد السعى إلى تعزيز وضعية حقوق الإنسان، بيد أن الأولوية لتأمين الشوارع والتحرر من الإرهاب.. وثانيا: أن مصر تسعى إلى تحقيق نمو اقتصادي، وذلك من خلال العمل على اجتذاب الاستثمار الأجنبى المباشر واستعادة النشاط السياحي.. وثالثا: المصريون يرغبون فى تأمين قناة السويس، وأخيرا مصر ملتزمة بعلاقاتها مع الولايات المتحدة.

ويبقى أن هذه بعض ملامح الصورة لما يجرى فى مصر، ولمحة عمن يحاول نشر خيبة الأمل، ومن يعمل على صناعة الأمل فى مصر. إلا أن هناك نقطة وحيدة هى أن مصر، وطننا جميعا وليس لدينا غيره، وعلينا أن نصنع الأمل لأولادنا وأحفادنا، وحتى نحسن أوضاعنا بالعمل مع الرئيس عبدالفتاح السيسي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف