أحمد عبد التواب
التسول الطموح فى حمى الدولة!
البداية الجديرة بالتوقف أمامها طويلاً بالدرس والتمحيص، جاءت فى خبر عن بعض الأجهزة الرسمية جرى نشره بكثافة قبل أيام يقول إن إحدى المتسولات استأجرت صبياً معاقاً من أمه مقابل 300 جنيه فى اليوم، بواقع 9 آلاف جنيه شهرياً، وأنها كانت تسرح به فى المترو لتستدر به عطف الجمهور! والبداهة، ودون أى معلومات، تؤكد أنها كانت تكسب من ورائه أضعاف قيمة الإيجار! فكم تتخيل يصل دخلها؟ وكم تكون أعداد زميلاتها المتسولات بنفس الطريقة أو باجتهادات أخري؟ ثم إن كل ما يتحصلن عليه يأتيهن من جيوب فئات من المواطنين يتوزعون بين متوسطى الحال والفقراء، فلماذا يضعف هؤلاء أمام مهارات محترفى التسول، فى وقت ينفرون فيه، أو لا يتحمسون، من التبرع للأعمال الخيرية أو للمشروعات الوطنية، حتى إذا كانت معنية بتقديم خدمات مفيدة للمحتاجين؟.
لاحِظْ أنه لا يمكن لداء التسول أن يبقى للحظة واحدة إذا لم يكن هناك من يدفع للمتسولين. ولاحِظْ أيضاً أن الدولة لم تنجح حتى الآن، أو ربما لم تسع جادة، فى تبيان المخاطر الاجتماعية الهائلة من تفشى ظاهرة التسول. كما أن الأجهزة المعنية، وللغرابة، وفى حين أنها تقوم مشكورة بواجبها بدرجات متفاوتة من النجاح ضد الباعة الجائلين، إلا أنها لا تكترث بتطبيق القانون على من يفترش إلى جوارهم للتسول! حتى إن المنظر بات مألوفاً، وبمجرد ظهور المخبرين، أن يهرع الباعة فى حالة من الفزع فى لمّ بضاعتهم والاختفاء بها فى مكان بعيد عن الأعين، فى حين لا يطرف للمتسول جفن ويبقى فى أمان على نفس الرصيف يمد يده ويتحصل على النقود ضد القانون!.
هل هناك دراسات علمية يمكن الاعتماد على دقة بياناتها ونتائجها عن أعداد المتسولين وأماكن سكناهم ومعيشتهم وأعرافهم الخاصة، وعن الجريمة فى عالمهم السفلى ..إلخ؟ وهل هناك أفكار جادة عن منع إضافة متسولين جدد، وعن تأهيل الموجودين للحياة بكرامة، وعن استئصال هذه الكارثة المعيبة، الخطيرة، المؤذية للعين وللمشاعر،
المتعارضة مع الإنسانية والحضارة؟.