محمود سلطان
هذه هي الحقيقة التي يريدون التحايل عليها
أول أمس عاقبت محكمة، نقيب الصحفيين وعضوي مجلس، بالحبس سنةً مع إيقاف التنفيذ.
ولا أدري لمَ "مع إيقاف التنفيذ"؟!.. فطالما أنهم أُدينوا كما قالت المحكمة بـ"إيواء مطلوبين".. فلمَ لا يقضون العقوبة في السجن؟!
الحكم على هذا النحو، فتح بابًا لن يُغلق؛ لتعدد ـ كما يقول نقاد الحداثة ـ القراءات والتأويلات.. ومن نتائجه أنه أعفى السيسي، من أية ضغوط محتملة للعفو عنهم، ولكنه في المحصلة، فوّت على الرئاسة فرص "المنِّ" على الجماعة الصحفية من جهة، ومن "أذى" و"معايرة" المولاة من جهة أخرى.. ولن يلاحق الزملاء الثلاثة يومًا ما الهمز واللمز، بأنهم "طلقاء السيسي".. كما هو عليه الحال بالنسبة للزميل إبراهيم عيسى، الذي ما انفكّ يكابد مشقةً كبيرةً في التخفي من وصفه بـ"طليق مبارك".
الصدام مع النقابة، لم يكن نزاعًا قانونيًا، فالسلطة هي التي أحالته إلى هذه الهيئة للشوشرة على فحواه الحقيقي.
فالاتحادية غاضب من النقابة، ولن ينسى مظاهرات "تيران وصنافير" التي بدأت بسلالم نقابة الصحفيين، لتمتد إلى شارع رمسيس، وعبد الخالق ثروت، وشامبليون، والتي هتفت ولأول مرة منذ تولي السيسي الحكم بـ"ارحل".
وزير الداخلية ليس مستقلًا في اتخاذ قرار بالغ الخطورة، مثل قرار اقتحام النقابة، فهو قرار "سيادي" من المرجح أنه حظي بغطاء حمائي وسياسي من أعلى سلطة في البلاد.. ولا يجرؤ أي جهاز أمني على اتخاذه بحسب تقديراته الخاصة.
قرار لم يحدث لا أيام الاحتلال الإنجليزي، ولا أيام فاروق، وناصر، والسادات ومبارك، وطنطاوي، ومرسي.. ليس لأن الصحفيين على رأسهم ريشة.. ولكن لأن مقر نقابة الصحفيين له رمزيته بشأن حرية الرأي والتعبير التي تفصل بين ما هو فاشي وما هو ديمقراطي، وما يترتب عليه من مواقف وإجراءات قد يتخذها المجتمع الدولي.
لذا لم يجرؤ رجال الدولة المحترفون منذ الإنجليز، وإلى ما قبل 3 يوليو، إلا أن يتعاملوا مع نقابة الصحفيين بالحوار وبالاحترام المتبادل.. أما السياسيون الهواة.. اللي جايين يتعلموا فينا سياسة.. فإنهم يرون اقتحام نقابة الصحفيين "نزهة" لن تكلفهم أكثر من ورقة يرمونها لوزير داخليتهم.
المحصلة أن خسر النظام الصحفيين، ولم يبقَ معه إلا "شوية" إعلاميين، عددهم لا يكفي لشغل كامل مقاعد تاكسي بيجو أجرة.. وحالهم من حيث المهنية كاريكاتوري وشديد البؤس، وباتوا "فرجة" يضحك عليهم العالم كل مساء.. ولم يجد بديلًا إلا ممثلين وممثلات، ومغنواتية، وراقصات، ومطربي الصالات والأفراح؛ ليقدموا البرامج على فضائياته.
تحية إكبار وإجلال لكل من وقفوا ضد إهانة نقابة الصحفيين واقتحامها، ولا يزالون يتحدون من أهانوها مهما كانت التكلفة.. وتحية مثلها للجمعية العمومية التي اختارت الزميلين جمال عبد الرحيم، وعمرو بدر، عضوين في مجلس النقابة الجديد والمنتخب.. في رسالة أعتقد أنها أوجعت الذين اعتقدوا أن امتلاكهم لأدوات البطش، سيكفي لإخضاع النقابة، أو سيقطع عليها مواصلة نضالها؛ من أجل الكشف عن الفساد والدفاع عن المظلومين، وحق الرأي العام في المعرفة، والتصدي لمحاولات التخلي عن الأرض والسيادة.