محمد جبريل
مقعد سوريا في القمة العربية
أعلنت الأمانة العامة للجامعة العربية عدم دعوة الحكومة السورية للمشاركة في مؤتمر القمة القادم بالأردن. القرار استمرار لموقف الأمانة العامة منذ تطورت الخلافات في سوريا عقب أحداث 2011. وتحولت إلي صراعات دموية. أو حرب أهلية لم تعد مقصورة علي أبناء القطر الواحد ما بين سلطة ومعارضة. أتاح تواصل المعارك تدخل قوي دولية وإقليمية. احتوت فصائل في المعارضة. ودعمتها بالمال والسلاح. وساعدت في تدريبها. وشاركت بقيادات في اللعبة الدامية. وقامت حكومة قطر بدور الممول العميل في إذكاء نيران القتال. ومن ثم فقد لجأت حكومة دمشق إلي الاستعانة بقوي من خارج الحدود. وهو ما انعكس في الاعترافات المتوالية بمصرع قادة ميدانيين تابعين لحزب الله اللبناني. أو للمليشيات الإيرانية. شاركوا في المعارك دفاعاً عن النظام. كما تسللت تنظيمات إرهابية مفضوحة التوجه. مثل داعش وجبهة النصرة وجبهة تحرير الشام وفيلق الرحمن وغيرها من المسميات.
تدخلت القوي الكبري والإقليمية علانية بتحويل السماء السورية إلي مجال تتحرك فيه الطائرات الروسية والأمريكية والتركية. ولم تلجأ إسرائيل إلي الصمت ـ كما حدث في مرات سابقة ـ وإنما اعترفت بغارات لها علي مواقع للجيش السوري. وزاد وزير الدفاع ليبرمان فحذر القيادة السورية من محاولة الرد علي الغارات الإسرائيلية التالية.
الغريب والمؤسف أن الجامعة العربية لم تحاول إدانة الوقاحة الإسرائيلية التي استباحت السيادة السورية. بصرف النظر عن طبيعة النظام الحاكم. لقد اعترف وزير الحرب الإسرائيلي بالاعتداء علي قطر عربي. وأضاف إلي اعترافه تأكيداً بأنه سيواصل اعتداءاته. وهدد بأن دفاع الجيش السوري عن بلاده سيواجه بالعنف!
لعلي أجد في التصرف الإسرائيلي الأخير جرس إنذار لكل الأطراف سواء في الداخل السوري. أو القوي التي تضيف إلي اتساع رقعة النيران. سواء لمناصرة النظام السوري القائم. أو لاستغلال فصائل المعارضة في تحقيق أهداف معلنة ومستترة.
منع ممثل النظام السوري من حضور مؤتمر القمة العربية القادم ليس حلاً للمأساة الدامية. بل هو إضافة إلي تعقيدات المأساة وتشابكاتها. والخاسر ـ في كل الأحوال ـ هو الشعب السوري الذي قتل أبناؤه. وشردوا. ودمرت مدنه وقراه. حتي قواته المسلحة التي كانت محسوبة علي القوة العربية. صارت الآن خارج الحسابات. عدا خوض المعارك التي تكاثر أطرافها.
ثمة مندوب حكومي يمثل بلاده في جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي جلسات مجلس الأمن. يعبر ـ بالضرورة ـ عن وجهة نظر النظام. ولكي يعبر الطرف الآخر عن وجهة نظره. فقد استدعي للحضور في الجلسات ممثلون عن فصائل المعارضة.
ذلك ـ في تصوري ـ هو دور الجامعة العربية: مساندة سوريا. الشعب السوري. باتخاذ كل الخطوات التي تكفل إيقاف نزيف الدم. وإعادة الأمن والاستقرار. وأولاها رفض تجاهل المشكلة بإخلاء المقعد السوري من شاغله. والتحرك بدبلوماسية العصر. وليس بمنطق المنافرة الجاهلية. فتجري مساعي قومية موضوعية تضع المصلحة العربية العليا فوق المصالح الشخصية والقبلية. وإذا كان المجتمع الدولي ـ ممثلاً في منظمته العالمية ـ قد أفسح المجال لكل الأطراف السورية المتصارعة أن تعبر عن وجهات نظرها. فالجامعة العربية أولي بالمبادرة. حتي تنحصر الخلافات بين القوي الوطنية ـ حكومة ومعارضة ـ وتخلو الآفاق من التدخلات الأجنبية. وبالقطع. فإن أي سوري يرفض أن تكون سماء بلاده مجالاً للطيران الإسرائيلي.