جلال دويدار
التصدي لأخطار الفساد وسيلتنا للنهوض والتقدم
ليس من خلاص لمصر المحروسة من تعثرها ومعاناتها إلا بمواجهة الفساد والقضاء عليه وعلي عناصره. هذا الفساد المستشري هو من روافد الانحطاط الاخلاقي والطمع الذي يدفع الي التربح غير المشروع. ان محصلته تتركز في تعطيل المسيرة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا لوقف التقدم المنشود. الغريب ان دائرة تفشي هذه الظاهرة الإجرامية القائمة علي الرشاوي والمعلوم لتسهيل الاعمال.. تتمركز غالبيتها بالنسبة لحجم العائد والخسائر.. في الموظفين الكبار او اصحاب الدخول العالية.
هذا السقوط يعني وقوع هذه الفئة فريسة للانحراف الذي سببه نقص وسوء التربية الدينية والعائلية. يضاف الي ذلك حالة الصرع التي تصيب القائمين علي العمل العام صغارا وكبارا والتي تدفعهم الي استعجال تحقيق تطلعاتهم نتيجة فقدانهم الايمان بان ذلك لابد وان يكون حصيلة عمل وكفاح وليس بارتكاب جريمة الرشوة التي تلحق الضرر بالمجتمع والوطن. ما يحدث في معظم الاحيان ما هو الا وليد لسيطرة نزعة الجشع التي تجعل هذا الفاسد ينقاد لمقولة »وهل من مزيد».
كل الخبراء في المجالات المختلفة يؤكدون ان هذا الفساد وخراب الذمم هو السبب الرئيسي للتخلف الذي تعيشه مصر والذي لا تستحقه بأي حال من الاحوال. إنه وراء تعطيل الاستثمار الداخلي والخارجي وتعطيل مصالح الناس وتشويه الصورة الذهنية لشكل مصر داخليا وخارجيا. لا أحد ينكر ان هذا الفساد موجود في اي دولة في العالم سواء كانت متقدمة او نامية.. ولكن تأثيره مرتبط بمدي الجدية في التصدي له.
هذا التعامل الحازم يتمثل في جسامة العقوبة التي يتم توقيعها في حالة اكتشاف الجريمة وهو الامر الذي يؤدي الي الحد من الاقدام عليها أو تكرارها. يأتي علي رأس هذه الجرائم جريمة التهرب الضريبي. في اي من الدول المتقدمة الغنية. فإن كثيرا من اصحاب الجاه والمال تعرضوا للسجن دون استثناء نتيجة ارتكابهم هذه الجريمة وهو مالا يحدث عندنا في مصر رغم تعاظمها. هذا التغاضي عن معاقبة مرتكبي هذه الجريمة يوضح اتساع دائرة هذه الفئة من اصحاب المليارات والملايين الذين يملأون الساحة دون ان يدفعوا حقوق المجتمع والوطن.
من المؤكد ان الوصول الي هؤلاء الحيتان سوف يحقق للدولة دخلا اضافيا مستحقا يصل الي مئات المليارات من الجنيهات. ان ما يرتكبونه وبكل المقاييس جريمة فساد كاملة مخلة بالشرف يشارك فيها القائمون علي تفعيل منظومة الضرائب. انهم يتفننون في التحايل بكل الطرق لعدم دفع ما هو مستحق علي ما يتم تحقيقه من وراء الأنشطة والمعاملات مع الدولة والمجتمع.
المؤكد ان محاصرة فساد وجرائم هؤلاء الحيتان والايقاع بهم ومحاسبتهم قانونيا سوف يكون عامل ردع لغيرهم كبارا وصغارا. بالطبع فإنه من المستحيل ان تؤدي هذه المطاردة الي القضاء علي هذا الفساد نهائيا ولكن الشيء المؤكد انها سوف تساهم في الحد من تفشيه تفعيلا للمثل الذي يقول »نصف العمي ولا العمي كله».
بشأن هذه القضية فإنه لا يسعنا سوي الترحيب والاشادة بالجهد المشكور التي تقوم به اجهزة الرقابة والمتابعة للفساد وأخطاره. في هذا الشأن لا يسعني سوي الاشادة بالدور الذي تقوم به الرقابة الادارية علي ضوء العديد من الجرائم والانحرافات التي تصدت لها وفضحتها لتنتهي بتقديم مرتكبيها الي القضاء. هذا المسلسل شمل في الايام الاخيرة نجاحها ومعها مباحث الاموال العامة في ضبط عدد من هذه الجرائم التي تشكل أضرارا بأوضاعنا الاقتصادية والمالية.
اذا كان المجتمع بأفراده يشكون من الفساد فلا جدال أنهم جزء منه نتيجة قيامهم بالتغطية عليه والمشاركة فيه بالسكوت وعدم الإبلاغ عن مرتكبيه.. لابد أن يدرك الجميع ان القائمين علي الرقابة والمتابعة لا يعتمدون علي »قراءة الفنجان» ولا التخمين لكشف حالات الفساد. ان وسيلتهم لمطاردة هذا الفساد تعتمد أولا وأخيرا علي ما يمكن أن يتلقوه من معلومات حول هذا الامر سواء من الضحايا أو من أي من المواطنين الذين قد تقع هذه المعلومة في طريقهم. علي هذا الاساس يمكن القول ان المجتمع كله مسئول عن مكافحة هذا الفساد باعتباره آفة ليس لها هدف سوي تدمير وتخريب أركانه.