عزت ابراهيم
زيارة واشنطن.. ونهاية خريف ثقيل الظل مع القاهرة!
فى جلسة خاصة بمنتدى باكو العالمى الأسبوع الماضي، راح سياسيون ومحللون يكيلون النقد لسياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بعضها معقول فى الطرح، والبعض الآخر يبالغ فى الشطط بالنقد، كما لو كان الرجل قد أطلق قنابل نووية فى الأيام الأولى لحكمه الذى تجاوز شهرين بقليل، لكنهما كما لو كانا عامين. على منصة الكلمة فى الجلسة التى حملت عنوان «مستقبل العلاقات عبر الاطلنطى: العودة الى السياسات الواقعية»، جلس ادوارد لوتواك، المستشار الحكومى فى أكثر من إدارة أمريكية سابقة والزميل البارز فى مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن (CSIS) وعندما حان الدور عليه فى الكلمة أطلق أول قذائفه قائلا «إن دونالد ترامب هو الرئيس الأمريكى الوحيد الذى لديه خطة طويلة الأمد لمدة ٨ سنوات».
استرعى حديث لوتواك انتباه الحضور بشكل لافت حيث كان الكل يتوقع أن يسمع كلاماً اعتاد الأوروبيون، وغيرهم، عليه على مدى أكثر من عامين عن ظاهرة ترامب التى شكلت واحدة من مفاجآت السياسة الأمريكية والعالمية منذ عقود. ثم زاد لوتواك من دهشة الحضور عندما عاد يردد الجملة من جديد: «جميع المحللين فى الولايات المتحدة، وكذلك فى جميع أنحاء العالم يدعون أن ترامب ليس لديه خطة. فى الواقع، أرى العكس. أنا مستشار حكومى عملت منذ رئاسة رونالد ريجان مع الحكومة الأمريكية. وترامب هو الرئيس الوحيد الذى لديه خطة طويلة الأجل لمدة ٨ سنوات».
سرد الخبير لوتواك بعض الوقائع التى تدل على مناطق الخلل فى العلاقة بين رئيس جديد والإعلام والنخب السياسية، فقال إن معظم المحللين تحدث عن هزيمة الجمهوريين، وأنهم سوف يفقدون مجلس الشيوخ ومجلس النواب، ومع ذلك، فاز الجمهوريون بغالبية المقاعد. وشرح أن ترامب سيشرع لمنح الإقامة لذوى الأصول الإسبانية ممن يعيشون بشكل غير قانونى فى الولايات المتحدة بعد إغلاق الحدود مع المكسيك. وقال لوتواك «على الرغم من وعود جورج بوش، ثم باراك أوباما للمهاجرين من أصول إسبانية بإضفاء الشرعية على إقامتهم إلا أنهما لم يحافظا على وعودهما. وهذا التكتيك ضرورى لإعادة انتخاب ترامب رئيسا». وأضاف «ترامب يعتزم أيضا إعادة توزيع الدخل داخل البلاد حيث يعتقد أن توزيع العائدات فى الولايات المتحدة تواجه خللا جذريا».
بعد انتخاب ترامب فى نوفمبر الماضي، كتب لوتواك لمجلة «فورين بوليسي» الرصينة مقالا مهما قال فيه: «كل شيء يذكرنا جدا بوصول رونالد ريجان. لا أحد يعتقد أن الولايات المتحدة يمكن أن تتخلى عن التعايش- الذهاب تماما ضد توافق المؤسسة - لكن ريجان، ببساطة، رفض تأييد سياسة الاحتواء فكانت النتيجة ليست نهاية العالم بل نهاية الاتحاد السوفيتي».
فور انتهاء لوتواك من كلمته اندفع إليه الجميع يريدون أن يفهموا أكثر ما يجرى داخل الإدارة الأمريكية كما لو كان الرجل قد ضغط على زر التنبيه لديهم أن شيئا ما خطأ فيما يسمعونه ويشاهدونه ويقرأونه عن مسلك ترامب! علينا أن نقبل نحن أيضا بعقل مفتوح، وأن نستوعب كل ما يخرج من تلك الإدارة دون أحكام مسبقة.
----
قبل أن يتوجه الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى واشنطن، يوم السبت المقبل، فى أول زيارة من نوعها منذ توليه السلطة فى ٢٠١٤ تبدو الأنظار كلها متجهة إلى طريقة استقباله، ونوعية النقاشات التى ستجرى مع الرئيس ترامب، وفريق السياسة الخارجية والأمن القومى الأمريكى والكيمياء التى ظهرت فى اللقاء الثنائى فى نيويورك أثناء الحملة الانتخابية وأسئلة كثيرة حول قدرة الرئيس السيسى على استغلال التوافق الظاهر فى بعض القضايا المهمة مثل مكافحة الإرهاب، والموقف من الحرب فى سوريا وليبيا وتقليص نفوذ الجماعات خارج الدولة حتى إعادة الدولة الوطنية إلى سطوتها فى عدد من الدول. ومن ثم، ستكون اللقطات الأولى للرئيسين فى المكتب البيضاوى وأمام عدسات المصورين بمثابة إعلان عن نوعية العلاقة الجديدة بين القاهرة وواشنطن، خاصة بعد أن ظهرت «لغة جسد» ترامب بوضوح فى مقابلاته مع زعماء كبار مثل رئيس الوزراء اليابانى والمستشارة الألمانية.
نعم، مازالت مراكز السلطة فى واشنطن إزاء العلاقات مع مصر موزعة على النمط التقليدى القديم، ولن يطرأ عليها تغيير كبير فى الشهور القليلة القادمة على الأقل إلا أن هناك ما يجب إنجازه فى تلك الزيارة حتى نضع لبنات علاقة أكثر فائدة للمجتمع المصري. نحن نكسب بعلاقة جيدة مع الولايات المتحدة الكثير من الدعم السياسى والعسكرى والاقتصادى إلا أن مثل هذا الدعم يحتاج إلى تنشيط حقيقى وليس مجرد كلمات شكلية تقال فى كل المناسبات.
فترة حكم ترامب يمكن ان تكون استراحة جيدة لالتقاط الأنفاس، وترتيب الأوراق مع واشنطن، فالرجل يتحدث عن علاقات «عملية» مع الدول المحورية للسياسة الأمريكية، وبداية الروح العملية هو أن نضع المصالح المشتركة على مائدة الحوار قبل أى شيء آخر، وأن نبحث عما ينشيء توافقا ولا يخلق تنافراً. فريق البيت الأبيض منفتح على الاستماع إلى آراء الإدارة المصرية فيما يخص العلاقات الثنائية وأزمات الشرق الأوسط، وهو ما لم يكن متوافرا فى عهد باراك أوباما، حيث كان هناك تنازع بين أكثر من معسكر فى مجلس الأمن القومي، وحتى داخل وزارة الخارجية الأمريكية، ثم فرض فريق بعينه وجهات نظره على الرئيس السابق وأقنعه بمواقف متشددة فى مجملها ترى ما يجرى بعد ثورة ٣٠ يونيو انقلاباً، وتدير ملفا مهما مثل العلاقة مع القاهرة بمنطق الحرب الباردة دون مبرر واضح.
اليوم لم يعد التناقض فى البيت الأبيض والخارجية موجوداً. فى الكونجرس، هدأت العاصفة بعد سيطرة الجمهوريين على المجلسين إلا أن مرحلة بناء الثقة مع المشرعين الأمريكيين يجب أن تبدأ بمناقشة مخاوفهم بصورة مفتوحة فيما يخص ملف الحريات وحقوق الإنسان، وإيضاح الحقائق فى ملف جماعات الإسلام السياسى التى مازالت بعض الدول تقف داعمة لها فى واشنطن بتوفير منابر ومنصات إعلامية وشركات علاقات عامة تدافع عنها وتقلب الحقائق قدر ما تستطيع!
زيارة الرئيس فوائدها كثيرة.. والأهم هو البناء على التواصل المفتوح على أعلى المستويات بين القاهرة وواشنطن بعد خريف ثقيل الظل فى العلاقات بين العاصمتين!