التحرير
سامح عيد
إحنا مش عالم تالت
سافر صديقي لألمانيا لمدة أسبوع في زيارة لصديقه، اختار صديقي الطيران التونسي.. لماذا؟ كان سؤالي التقليدي، فقال: الطيران التونسي أرخص ألفي جنيه، بالإضافة إلى أنني سأستمتع بيوم في تونس على حسابهم، إنهم يوفرون ليلة في فندق فخم في تونس بوجبة عشاء ووجبة إفطار وسيارة مجانية من المطار للأوتيل وسيارة أخرى من الأوتيل للمطار، كل ده على حساب التذكرة الأرخص ألفي جنيه من الطيران المصري. قال لي صديقي جاورته في الطائرة مدرسة تونسية فتجاذب معها أطراف الحديث عن وضع المعلمين في تونس وأجورهم، فقالت له أنا كمدرسة مبتدئة أتقاضى 1500 دينار تونسي بما يساوي 600 يورو. لاحظ هنا اليورو يساوي 2.5 دينار، مع العلم أن اليورو اليوم في البنوك 19.55 جنيه مصري، بما يعني أن هذا الرقم للمعلم المبتدئ يساوي 11730 جنيها مصريا، وللعلم أيضًا فإن المدرس المصري المساعد في بداية تعليمه يتقاضى 1080 جنيها مصريا فقط لا غير. قال لي: تونس العاصمة منظمة والالتزام بالمرور في أعلى درجاته، فسألهم هل هذا حال العاصمة فقط؟ وسألهم عن حال الأقاليم، قالوا له نسبة الالتزام المروري تتجاوز التسعين في المائة. أنتم تعلمون الحال في مصر. قالت له التونسية إن والدتها مدرسة أكثر خبرة منها لها خبرة عشرين سنة في التعليم تتقاضي 2500 دينار بما يساوي 1000 يورو، بما يقترب من 20 ألف جنيه مصري، في مصر المعلم الذي أشرف على المعاش وتجاوزت خبرته 36 عاما لا يتقاضى 4 آلاف جنيه. قال لي صديقي عن أصدقائه السودانيين الذين اشتكوا له من الطيران المصري، وقالوا كنا نستقله في السابق لأنه كان الأقرب إلى الخرطوم من أي طيران آخر، ولكنا تركناه، قالوا له هو الأغلى ويتركوننا في المطار بالثماني ساعات، سواء كان ليلاً أو نهارًا، والأشد غرابة ودهشة أنهم يدفعونهم رسوم تأشيرة دخول، يا جماعة يهديكم يرضيكم إحنا رايحين الخرطوم مش جايين مصر، ومادخلنهاش أصلاً، دحنا يا دوب نقلتونا من صالة 1 لصالة 2، تأشيرة دخول على إيه، مع العلم أن حكومتنا الهمام رفعت رسوم التأشيرة الشهر الفائت من 35 دولارا لـ75 دولارا، كل واحد في مصر فاكرها فهلوة، إنه حيرفع رسوم أو يعمل دمغات بمزاجه، عشان يجيب دخل للوزارة، الله أعلم كيف تصرف هذه الدخول لاحقًا، زي ما عملت مواني بورسعيد، عندما رفعت رسوم بعض الإجراءات وطفشت الصين التي ذهبت إلى مواني اليونان، المشكلة أنهم يتعاملون معهم كأنهم مصريون، مأسورون في الداخل المصري، تفرض عليهم يوميا رسوم جديدة، لا تعلم من فرضها ومن يتقاضاها، وأنت مجبر أن تدفع وبعدين تتظلم، المشكلة أن الشعب مابيكدبش خبر وبيتظلم وبيرفع قضايا وياخد أحكام بعدم دستورية هذه الضريبة أو هذه الدمغة، وتحكم برد تلك المبالغ للجمهور أو الموظفين، ولكنها بكل صفاقة تتجاهل تلك الأحكام ولا تنفذها، لأنهم بيقولوا اللي يدخل جيب الحكومة مايرجعش تاني، لأنه بالطبع بيكون دخل جيوب ولاد المحظوظة من المستشارين الكبار وكبار التنفيذيين في الجهاز الإداري للدولة على أنها جهود بذلوها وبدلات، وهي ليست جهودا، إلا إذا كانوا يعتبرون الإتاوات والابتزاز جهودا تستحق المكافأة. المشكلة أنهم يمارسون تلك الفهلوة على غير المصريين، فيفاجؤون أنهم لا يستجيبون للابتزاز والإتاوة، وبعد ذلك يبكون ويلطمون الخدود على الدولارات التي ضاعت على البلد، وعلي عجز الموازنة وعلى عجز الميزان التجاري بيننا وبينهم. قال لي صديقي: تونس هو ده العالم التالت بحق وحقيقي، إنما إحنا حاجة تانية خالص، إحنا مش عالم تالت، إحنا لسه في القعر لم نرتق بعد لنصبح عالم تالت. تونس كما تعلمون تجاوزت أزمتها بنجاح نسبي، تتنافس فيها أحزاب على السلطة، حكومات ائتلافية تحكم حركتها، هي ملاذ الآن لليبيين والجزائريين، رغم التفجير الذي حدث في شواطئها وقتل السياح، ولكنهم تجاوزوا ذلك سريعا، ويستقبلون الآن 15 مليون سائح، الروس تركوا مصر وذهبوا لتونس، إنهم يستقبلون 4 ملايين سائح روسي، الحركة الثقافية والعلمية في تونس والمغرب العربي بشكل عام على أشدها، وأوشكت أن تسحب البساط من تحت أقدام مصر. نحن نتراجع ونتراجع، على مستوي التعليم وعلى مستوى القوى الناعمة، بس عمالين نبني في عماير ومسلحات وكباري وطرق، لما نشوف آخرتها حنروح على فين، وكل يوم نتهدد يا تقبلوا بما يقرر عليكم من سياسات اقتصادية وسياسية يا تعدوا في مخيمات وتبقوا لاجئين. إحنا فعلاً مش عالم تالت.

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف