الأخبار
عبد القادر شهيب
فتاة الأقصر.. ورجال الدين
للأسف حادث فتاة الأقصر الطائفي لن يكون الحادث الأخير!. سوف تصدمنا حوادث أخري مشابهة في أماكن شتي من البلاد، خاصة في الصعيد.. فنحن لدينا معوقات وأمراض مجتمعية تؤثر سلباً لها علي تجربة التعايش المشترك في مجتمعنا وتتسبب في حدوث مثل هذه الحوادث الطائفية المؤسفة، وهيأت في واقعة الأقصر أن ينصاع الأب لأهواء الابن العاطفية، وأن يستثمر الأب تلك الجموع التي انتفضت لتحاصر منزل الفتاة وتطالب أسرتها باستسلامها لتسليمها لذلك الشاب الذي يبغي الزواج منها!
وتطبيق القانون في مثل هذه الحوادث لا يكفي وحده لمنع تكرارها، وإن كان ضرورة لا غني عنها للسيطرة علي مثل هذه الحوادث ومحاسبة المتورطين فيها.. وفي حادثة الأقصر لا نملك أن نلوم الشرطة ورجال الأمن.. فقد قاموا بواجبهم ووفروا حماية أو قدراً منها لأسرة الفتاة المسيحية وتصدوا لمن تجمعوا وتظاهروا مطالبين أسرتها بتسليم ابنتهم لهم ولذلك الشاب الذي رغب في الزواج منها، وتضرر رجال الشرطة من جراء ذلك عندما أصيب عدد منهم بجراح وأتلفت عدد من سيارات الشرطة.
ولكننا يجب أن نلوم أنفسنا جميعا لأننا سمحنا أن يقع في أسر أخطار طائفية وقيم متطرفة، باتت هي السبب الرئيسي في وقوع مثل هذه الحوادث الطائفية المؤسفة، الأكثر من ذلك خلقت لنا وحوشاً آدمية انخرطت في تنظيمات وجماعات إرهابية، انطلقت تقتل وتخرب وتدمر وتحرق وتروع الآمنين.
لقد غاب التسامح في مجتمعنا وتهدد العيش المشترك فيه.. لذلك صار سهلا أن تحدث مثل هذه الحوادث الطائفية في مجتمعنا بين الحين والآخر، رغم الحياة المشتركة وروابط الجيرة والأخوة التي تربط ما بين المصريين رغم اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الاجتماعية والدينية.
إن الصدور مغلقة علي هواجس متبادلة غير صحيحة، صاغتها هذه الأفكار الخاطئة والقيم المتطرفة علي مدي سنوات طويلة في ظل غفلة منا أحيانا، وفي ظل إهمال منا غالبا في تصحيح هذه الأفكار الخاطئة والتصدي لهذه القيم المتطرفة، وتقاعس في نشر قيم التسامح واحترام الآخر وقيم العيش المشترك.
ولقد كان لافتاً للانتباه ومثيراً في الوقت ذاته للازعاج انه في الوقت الذي قام فيه رجال الأمن بواجبهم في حادث الأقصر المؤسف لتطبيق القانون علي المتجاوزين له وأيضا في حماية أسرة الفتاة المسيحية، ان رجال الدين اختفوا تماما ولم يقم أحد منهم بدوره ليوضحوا لمن احتشدوا من أجل إجبار أسرة الفتاة علي تسليمها لهم أنهم يسيئون للدين الإسلامي أبشع إساءة ولا يخدمونه أو ينصرونه بما قاموا به، وأنهم يهددون التماسك الاجتماعي الذي ننشده ونتمسك به الآن ونعض بالنواجذ في مواجهة من يستهدفون النيل من كيان دولتنا الوطنية.
لقد اختفي رجال الدين من ساحة القتال ضد التطرف الديني في وقت نحن في أشد الحاجة لدورهم وجهدهم للتصدي لهذا التطرف الديني وتطهير مجتمعنا منه وإنقاذ أهله من شروره.
لا يكفي أن نعقد المؤتمرات والندوات المتتالية التي يجتمع فيها رجال الدين في قاعات الفنادق الفاخرة ليناقشوا قضايا المواطنة والمساواة والحديث عن تجديد وتصويب الخطاب الديني.. ولكن يجب أن ينزل رجال الدين إلي المواطنين البسطاء خاصة في قري الصعيد ليتحدثوا معهم ليصححوا لهم المفاهيم، لإيضاح أن الدين الإسلامي، وأي دين، يحضنا علي التسامح واحترام الآخر ويعزز العيش المشترك.. وأظن أن رجال الدين المستنيرين ليسوا في حاجة لدعوة ليفعلوا ذلك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف