- تحظى العدالة كفكرة أساسية باعتراف إنسانى عام، ولكن تأسيس العدالة ذاتها وكذلك مبادئها التفصيلية هو موضع خلاف ونقاش فى الخطاب السياسى والفلسفى، وتعتبر العدالة بوصفها من أهم الفضائل للسلوك الإنسانى: معياراً لتقييم الأفراد والمجتمعات على حد سواء. والعدالة باعتبارها موقفاً أخلاقياً من ناحية يمكن أن تكون فضيلة من الفضائل، لكنها من جانب آخر مبدأ عام ومقياس للحكم على معايير القانون، فمنذ العصور الوسطى أصبحت العبارة المتوارثة عن فكر العدالة الإغريقى والرومانى التى تقضى بأن العدل هو أساس الملك مبدأ أساسى لفلسفة الدولة، وإن كان واجب الحكام يتمثل فى تحقيق العدل فإنه يقابله على الجانب الآخر حق المحكومين فى مقاومة الظلم، والجدل السياسى عن العدالة يتمثل أولاً فى: مسألة التوزيع بصفة خاصة، وقد كانت المساواة فى توزيع الفرص هى المبدأ الليبرالى، وكل حسب قدراته الإنتاجية هو المبدأ الاشتراكى، وكل حسب احتياجاته هو المبدأ الشيوعى للعدالة. وثانياً فى: مدى ضرورة تحقيق مبدأ المساواة الأساسية لجميع البشر من حيث العدالة فى توزيع فرص البداية أو العدالة فى توزيع الفرص لتحقيق الغايات، ويؤيد مذهب الليبرالية السياسية مبدأ تكافؤ الفرص، بينما تطالب الاشتراكية بالمساواة فى النتائج.
- ويجب أن يعود أى تحديد للعدالة إلى التعريف الأفلاطونى لها الذى كان يرى أن العدالة تكمن فى أن يؤدى كل شخص ما عليه، ويرى أفلاطون: أن العدالة ناتجة عن أمهات الفضائل (الحكمة، والشجاعة، والعقل)، ويقدم أفلاطون فى كتابه «الجمهورية» وهو عمله الرئيسى الخاص بفلسفة الدولة، صورة للدولة المثالية التى تقوم على أساس من التوزيع العادل للثروات والعمل، أما العدالة لدى أرسطو فهى: القيمة الأساسية للتعايش الإنسانى التى تطالب الإنسان فى سلوكه الفردى وكذلك فى سلوكه تجاه المجتمع برمته، بإعطاء كل فرد ما يستحقه ومعاملة الكل بالمثل.
- ويعد مبدأ المساواة وعدم التمييز وتكافؤ الفرص هو: أساس تحقيق العدالة، بل كثيراً ما ينظر إلى العدالة كمرادف للمساواة، ووفقاً لهذا الحق يجب أن يتمتع جميع الأشخاص بحقوقهم القانونية على قدم المساواة دون أدنى تمييز بسبب اللون أو العرق أو الدين أو الجنس أو الجنسية أو اللغة أو الإعاقة أو غيرها من أسباب وأرضيات التمييز، وقد تطور هذا الحق إلى فرع قانونى مستقل يعرف بقانون المساواة (Equality Law) أو قانون عدم التمييز (Anti-discrimination Law)، وذلك ضمن القانون الدولى لحقوق الإنسان، وبموجب هذا الحق فإن الدولة ليس فقط عليها التزام سلبى بأن تمتنع عن التمييز بين الأفراد والمجموعات، وإنما يقع عليها أيضاً التزام بأن تعترف بوجود التمايزات والتفاوتات بين البشر، وبوجود الحواجز السياسية والاقتصادية والاجتماعية التى تعترض طريق بعضهم لممارسة حقوقهم على قدم المساواة مع الآخرين، وأن تعمل إيجابياً على إزالة هذه الحواجز لتحقيق العدالة الحقيقية، كما يجب إزالة ما يترتب على التمييز من نتائج سلبية كالتهميش والإقصاء الاجتماعى والحرمان من بعض الحقوق، وعلى الدولة أيضاً أن تعمل على وضع السياسات واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتوفير الفرص، حيث لا معنى للحديث مثلاً عن التكافؤ فى فرص العمل إذا كانت البطالة شائعة، وأخيراً يجب على الدولة تمكين الأفراد من الاستفادة من هذه الفرص ومن التنافس على قدم المساواة.
- ويؤكد مبدأ المساواة فى الحقوق أن فكرة العدالة لا تنفصل عن فكرة حقوق الإنسان، فالعدالة استحقاق أساسى للإنسان نابع من جدارته كإنسان بالتمتع بمجموعة من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من ناحية، والمدنية والسياسية من ناحية أخرى، على نحو ما هو مقرر فى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، وغيره من العهود والاتفاقيات الدولية المعنية.
- وقد أعدت وزارة العدالة الانتقالية مسودة مشروع قانون المساواة ومنع التمييز، وتتضمن مواد مشروع القانون حظر التمييز غير المبرر وإنشاء مفوضية للمساواة ومنع التمييز تتمتع بشخصية اعتبارية واستقلالية فى تشكيلها وعملها ودورها وكيانها الإدارى والمالى، وهدفها تلقى الشكاوى من المواطنين والتحقيق فيها وتحديد الفئات المستهدفة بالحماية، وسيتم إقرار العقوبات المناسبة وفقاً للمادة 53 من الدستور مع الاستفادة من القانون الجنائى، وأظن أنه بعد تصريحات وزير العدل المستقيل يجب الإسراع بإصدار هذا القانون وتفعيله ليكون رادعاً للتمييز وعدم المساواة.