محمود سلطان
القضاة هدف في ميدان رماية السلطة
وعلى طريقة "هي كدا وإذا كان عاجبكم"، وافق البرلمان على قانون "السلطة القضائية" الجديد.
القانون "المفصل" على مقاس الرجعية السياسية، بالغ الخطورة، لأنه يعطي لرئيس الجمهورية، وصاية مباشرة على رؤساء الهيئات القضائية: يعين من يشاء، ويدني منه من يريد، ويبعد من لا يروق له، ويدلع "اللي يسمعوا الكلام"، ويهمش منهم "المتعبين"!
القانون الذي وافق عليه البرلمان، يلغي فعليًا استقلال القضاء، ويحيل مؤسسة العدالة إلى مرفق إداري ملحق بمؤسسة الرئاسة.. يعني أن مصر ـ ولأول مرة في تاريخها ـ ستكون تحت وصاية عدالة رسمية شكلية.
ومن الصعب، علينا أن نفصل، استباحة الشرطة لنقابة الصحفيين، والحكم على النقيب السابق وعضوي المجلس بالحبس سنة.. من الصعب أن نفصل ذلك عما جرى ليلة 27 /3.. في البرلمان.
في الأولى الشرطة استباحت حرمة النقابة، والثانية لا تفرق كثيرًا.. فالدولة فعلت مع القضاة ما هو أكثر بكثير عما فعلته مع الصحفيين: وضعت يدها على المؤسسة بالكامل.
الصحفيون ـ على الأقل ـ عقدوا جمعية عمومية، هي الأكبر في تاريخها، حضرها 6 آلاف صحفي، احتجاجًا على سوء سلوك الداخلية معها.. وانتخبت عمرو بدر، وجمال عبد الرحيم، ليسجلوا رسميًا تحديهم لهذا الاستسهال غير المسئول من قبل السلطة.. وأصدر على أثرها الأمين العام للأمم المتحدة، بيانًا أدان فيه اقتحام النقابة.
المشكلة أن القضاة بطبيعة عملهم، يختلفون عن الصحفيين.. فعندما تكون خياراتك محدودة، فأنت ـ إذن ـ في مأزق.. والدخول في صدام مع السلطة، لن يكون عند المنطقة الرمادية، وإنما ستكون مواجهات كسر عظام، قد تضر باستقرار البلد بالكامل.
تواتر المواقف والتجارب، يشير إلى أن وعي السلطة بمفهوم الدولة، يتطابق مع خبرتها الأولى، وأن العلاقة بين مؤسسات الدولة، بالاتحادية، هي علاقات سلطة، تشبه إلى حد التطابق تراتبية السلطة بين هياكل المؤسسات النظامية.. هذا الوعي هو أصل المشكلة، لأنه يفترض وجود فراغ مؤسسي، وأنه لا توجد دولة قديمة، رغم الضعف والتراجع والتهرؤ، مازالت قادرة على المقاومة.
وطالما ظل هذا الوعي في عقل السلطة، فإنه لن يكون مفاجئًا، أن تتوسع تحرشاتها بما بقي من مؤسسات "رخوة"، وستكون بالنسبة لها "نزهة" حال انتصرت على المؤسسات الأكثر صلابة وقدرة على الإنهاك والإيذاء داخليًا وخارجيًا.
أهمية الصدام الأخير مع القضاة، أنه كاشف لوجود "غشومية" جانحة ومنفلتة، لا تعبأ بالمآلات والعواقب ولا تسأل عن الفواتير.. ولا يرد على خيالها الفوضى المتوقعة.. وربنا يستر.