الأهرام
عماد رحيم
إهمال أم سوء إدارة
بين آمال الناس وما يسود من واقع تقره الحكومة مسافة أضحت كبيرة بدرجة مفزعة، زاد منها ما تصدره من قرارات من شأنها زيادة ما على كاهلهم من ضغوط بينها الزيادات المتوالية فى الأسعار،
وإقرار ضرائب جديدة لتخفيض عجز الموازنة.. إلخ بدلاً من البحث عن بدائل جديدة لفك الخناق عنهم ولو قليلا، حتى باتوا يشعرون بأنهم فى واد والحكومة فى واد آخر.

فما يُثارالآن من جدل حول زيادة سعر تذكرة مترو الأنفاق أكد وجود فجوة كبيرة بين الحكومة والمواطن. فهى تشرع فى تنفيذ خططها ورؤاها بغض النظر عن معاناته، ولا أبالغ حينما أقول أن كليهما يسيران فى طريقين متضادين.

ومع التسليم بضرورة رفع السعر الذى لم يزد منذ 2006، لتعويض خسائر هذا المرفق الحيوى التى وصلت لنصف مليار جنيه، تأتى المفاجأة بمتابعة أعماله، حيث اتضح أن إيراداته فى نهاية 2009 كانت 442 مليون جنيه، وبلغت فى نهاية 2014 تقريبا 484 مليون، رغم تضاعف عدد الركاب من مليون و200 ألف راكب يومياً إلى 3 ملايين خلال نفس الفترة، والآن يقترب العدد من 4 ملايين. فلماذا لم تتحرك الإيرادات تصاعدياً مع زيادة عدد الركاب؟!

أرجع الخبراء السبب الرئيسى إلى تعطل بوابات التذاكر لأكثر من 3 سنوات وإهمال إصلاحها، مما سبب هدرا كبيرا فى الموارد دون رقيب أو حسيب، لذا من الضرورى محاسبة المتسببين فيه، إضافة إلى ضرورة السعى لتحسين الخدمة المهترئة! فضلا عن غلق معظم منافذ الخروج فى المحطات النفقية مسبباً زحاما خانقا بلا مبرر سوى تكدير الناس! فهل هذا إهمال أم سوء إدارة؟!

ومما يثير التعجب، نسبة الفقد فى إجمالى الطاقة المتولدة من الشبكة الكهربائية والتى تبلغ حوالى 11% بما يعادل 15مليار كيلو وات ساعة سنويا، و«الفقد» هو الطاقة المولدة من الشبكة الكهربائية والتى لم يتم بيعها للمستهلك بمقابل مادى، وبلغة الأرقام فإن هذا يعنى خسائر قدرها 11 مليار جنيه سنويا، بالرغم من الزيادات السابقة فى أسعار الكهرباء. وزيادة فى التعجب نجد أن شركات توزيع الكهرباء على مستوى الجمهورية قد تلقت حتى بداية 2017، تقريبا 336 ألف طلب لتوصيل العداد الكودى بالمناطق العشوائية!!

وللتوضيح فإن هذه العدادات يتم تركيبها لأصحاب الأوضاع المخالفة، بدلا من سرقه التيار ومحاسبتهم عليه بتقدير جزافى، فهل من تقدموا بطلبات التركيب هم كل المخالفين «السارقين» فقط؟ ومتى يتم تركيب العدادات لكل الذين تنطبق عليهم الشروط؟ وفى هذه الأثناء سيظل الحديث عن تحقيق خسائر سائدا مكررا، ومن ثم مطالبة المواطن بتحمل المزيد من الزيادات المتوالية وغير المبررة فى الأسعار تحت زعم ضرورة مساهمته فى تعويض الخسائرالتى لا دخل له بها! فهل هذا إهمال أم سوء إدارة؟!

وأزيدكم من الشعر بيتا...!! هل تذكرون الحديث عن قانون التصالح فى مخالفات البناء؟ والذى قيل عنه منذ ثلاث سنوات تقريباً أنه سيدر دخلا يفوق الــ 200 مليار جنيه، فحتى الآن لم يخرج للنور بل وما زال محل جدال، دون الإفصاح عن سبب تعطل صدوره كل هذه الفترة، بل الأكثر غرابة هو إصرار الحكومة على عدم قبول التصالح فى مخالفات البناء على الأراضى الزراعية مستندة فى ذلك إلى حرصها على الحفاظ على الرقعة الزراعية رغم التيقن التام من بوارها واستحالة زراعتها جراء هذا البناء حتى وإن تم إزالته، بما يعنى خسارة تلك المساحة من الرقعة الزارعية، إضافة إلى ضياع الفرصة فى تحصيل إيرادات تتمثل فى قيمة التعويضات الناتجة عن التصالح فى هذه المخالفات التى جاوز عددها الـ 2 مليون مخالفة، تلك الإيرادات التى يمكن ضخها فى مسارات أخرى متنوعة للتنمية كاستصلاح مساحات لابأس بها من الأراضى الصحراوية تعويضا عما تم فقده من أراض زراعية لن تُجدى اى جهود فى استعادتها، على نسق المشروع التنموى لاستصلاح الـ 1.5 مليون فدان . فهل هذا إهمال أم سوء إدارة؟!

والمفجع بحق هو ما كشفت عنه الدراسة البحثية التى أجرتها أكاديمية البحث العلمى، وترأس فريقها البحثى د.إبراهيم الدميرى خبير الطرق والمرور ووزير النقل الأسبق، من أن مصر تحقق خسائر سنوية قدرها 428 مليار جنيه جراء سوء استغلال وسائل النقل الجماعى، متضمنة 175 مليار جنيه بسبب رداءة الطرق، وتلك الخسائر تتمثل فى كلفة الوقت المهدر، وتكلفة الوقود المستهلك والإزدحام المرورى وحوادث الطرق التى وصلت فى 2015 فقط إلى 30.2 مليار جنيه وفقا لما جاء بتقرير صادر من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء.

ناهيك عن الوسائل الغاية فى البدائية التى تتعامل بها الحكومة فى مواجهة المشكلات المرورية، ففى معظم الأوقات تسود الشوارع الرئيسية للعاصمة حالة من الشلل التام، فبالرغم من وجود وانتشار إشارات المرور إلا أنها تتسم بالعشوائية والتعارض فى تواتر ألوان الإشارات الضوئية، مما يُحدث خللاً فى الشوارع المتقاطعة ولاسيما الحيوية منها رغم توافر كاميرات المراقبة! فهل هذا إهمال أم سوء إدارة ؟!

وأخيرا، متى تكون زيادة أعباء المواطن البديل الأخير وليس الأول لسد عجز الموازنة؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف