المصريون
خالد الشريف
الجمود السياسي.. وشجاعة المراجعة !
في ظل الانسداد والجمود السياسي الذي تعيشه مصر تصبح المراجعات السياسية والفكرية ضرورة ملحة من أجل تصويب الأخطاء وتصحيح المسار للجماعة الوطنية فضلا أن المراجعات فضيلة وأمر محمود فسيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم " لذلك نحن مطالبين جميعا أحزاب وقوى سياسية وحكومات بالمراجعات الدائمة فلسنا ملائكة لانخطيء فضلا أننا من حالة هزيمة وفاصلة تاريخية تتغير فيها موازين القوى بمحيط أمتنا العربية لذلك من الواجب علينا أن نشجع أي بادرة للمراجعة من قبل الشباب والقوى السياسية أملا في تغيير الواقع الأليم ..أقول ذلك بمناسبة الوثيقة التي ظهرت مؤخرا من قبل مجموعة من جماعة الإخوان المسلمين تحت عنوان "تقييمات ما قبل الرؤية"، والتي تعد تحريكا جيدا للمياه الراكدة بل رأها البعض من أهم إرهاصات المراجعات وأكثرها جرأة في نقد الذات ومراجعة مسار جماعة الإخوان بعد ثورة 25 يناير.. على كل أين كان التقييم لتلك الوثيقة، فرصد السلبيات وتقييم الأوضاع من الاهمية بمكان لمعرفة الخلل وتفادي المخاطر فالأمر يحتاج لمراجعات خاصة بحجم جماعة كبرى مثل الاخوان المسلمين التي أضحت بين عشية وضحاها من حزب حاكم يقود المشهد السياسي إلى جماعة مطاردة .
وأين كان حجم من قاموا بالمراجعة داخل الجماعة سواء كانوا مجموعة من الشباب او المستبعدين فهو أمر يجب أن نشجع وندعم تلك المراجعات خاصة وأن الحركة الإسلامية في محنة تحتاج من يقيلها من عثرتها ويأخذ بيديها إلى طريق النجاة..
فربما كانت المراجعة إحياء للأمة بعد موات واسترداد للقوة والعافية ولا أبالغ اذا قلت أن تجربة الجماعة الإسلامية المرير في خوض العمل المسلح ومواجهة الدولة كانت كارثة حلت على الجماعة والحركة الاسلامية وكانت المراجعات واطلاق مبادرة وقف العنف بمثابة طوق النجاة بالنسبة للجماعة الإسلامية والتي عادت بفضلها للحياة الدعوية والسياسية مرة أخرى..ولولا الشجاعة الأدبية لقادة الجماعة يومها في مواجهة العالم كله بالاعتراف بالأخطاء التي ارتكبتها الجماعة والمحاولة الصادقة المخالصة في التصويب ما نجحت مبادرة الجماعة والتي أثبتت الأيام مصداقيتها فلم تقع حادثة عنف أو صدام من قبل الجماعة بعد خروج قادتها وأعضائها من السجون طوال عشرين عاما كاملة .. وثبت بالدليل القاطع أن المبادرة ليست مناورة سياسية كما زعم البعض وانما اقتناع بالاجماع من قبل قواعد وقادة الجماعة الذين عكفوا على البحث والمراجعة من أجل التماس الحق ومرضاة رب العالمين بل ان بعض قادة الجماعة كانوا يواصلون الليل بالنهار لاينامون من أجل الخروج من المحنة التي حلت بالجماعة .. وقد تكللت هذه الجهود بالنجاح رغم أن المبادرة كانت من طرف الجماعة فقط...
الحمد عادت الجماعة لمشروعها الدعوي السلمي الذي بدأته في السبعينيات والذي كان يسير بسرعة فائقة وينتشر بين الشباب والمجتمع ولم يعرقله ويوقف قطاره سوى الانخراط في العمل المسلح الذي هو الآفة التي دمرت الحركة الإسلامية طوال العقود الماضية .
اعتقد أن تفعيل الشورى في الجماعات الإسلامية والاحزاب مهم جدا للوقاية في الوقوع في شراك الصدام والعنف .. فللأسف الشديد ثبت من خلال كثير من التجارب أن قرار الصدام والمواجهة يؤخذ في إطار القمة دون مشاركة اللآخرين طبعا تحت ذريعة الأمن فيصحو الشباب وأعضاء الجماعة من النوم ليجدوا انفسهم في صدام مع الدولة دون أن يؤخذ رأيهم في قرار المواجهة الدامية التي تسيل فيها الدماء وتزهق الارواح ..مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مارس الشورى يوم بدر من أجل الحصول على اجماع لرأي الصحابة من المهاجرين والأنصار بقوله كل حين " أشيروا علي أيها الناس " ومن العجيب أن الجماعات والاحزاب تغيب عنها لشورى في الأمور الجسام ..وهذا أمر يجب مراجعته في عملنا الإسلامي خاصة في أوقات المحن .


أعود للمراجعات فأجد حرص كبير من الذين في قلوبهم مرض التشكيك في مراجعات الجماعة الإسلامية التي أكدت صدقها الايام والأحداث بل وقرارات الجماعة الإسلامية فعلى سبيل المثال عقب الأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد عقب أحداث 3/7 حذرت الجماعة في بيان نشره الإعلام كل كوادرها ومنتسبيها من المشاركة في المظاهرات التي يختلط فيها العنف والسلمية وهددت بفصل من يثبت مشاركته في أعمال عنف وقد تم الالتزام بقرارات الجماعة من كافة أعضائها.. بل كان لقيادات وأفراد الجماعة الفضل في حماية مؤسسات الدولة والكنائس بصعيد مصر وقد لقي الشيخ محمد جاد المعروف بأبو زينب في محافظة المنيا ربه شهيدا وهو يمنع الاعتداء على مؤسسات الدولة بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة .. وهذا أكبر دليل على من يحاول الافتراء أن الجماعة الإسلامية تسعى لاحياء العمل المسلح ..وهو كلام كذب ومحض خيال والاوضاع التي عاشتها البلاد من انفلات امني كانت فرصة لاي صاحب قلب مريض في استغلالها لكن ذلك لم يحدث بل كان اعضاء وقادة الجماعة صمام أمن للمجتمع ..ما أريد قوله أن حسنات المراجعة كثيرة ومفيدة فهي خير علاج لحالة التحنط والجمود الذي يصاب به دائما العقل العربي فنحن نحتاج إلى مرونة لاستيعاب التطورات والاحداث الجارية ..
لذلك يجب ان نشجع الأحزاب والقوى السياسية على مراجعة مواقفها بل نطالب مؤسسات الدولة بالمراجعة واستيعاب الواقع الذي يعيشه العالم اليوم من حريات وتقدم علمي وتقني وهو مايستدعي تغيير منظومة الحكم والسياسة في بلادنا فيجب استيعاب كل القوى المجتمعية دون اقصاء أحد وفتح نوتافذ الحريات يستنشق عبيرها الشباب ..وماجري في الغرب من نهضة وتقدم سببه الرئيسي ان الديمقراطية الغربية استوعبت كل اطيافها حتى المتطرفة والخارج عليها بالسلاح مثل الحزب الجمهوري الامريكي الذي يمثل الليمين المتطرف والحزب الايرلندي المسلح وغيرهم الكثير..فالمراجعة ليست مقصورة على الاحزاب والجماعات بل على الحكومات والمؤسسات في الدولة ... يجب ألا ننكر الواقع وأن نخلع رداء الكبر وننظر للأمام ونفكر في الماضي من أجل نهضة أمتنا ومستقبل أولادنا
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف