الجمهورية
على هاشم
معاً للمستقبل .. استعادة الثقة..التحدي الأكبر أمام الحكومة!
بين المواطنين والحكومة فجوة تضيق وتتسع بحسب الأحوال. فإذا تيسرت ظروف المواطن وتحسنت معيشته رضي عن الحكومة وغض النظر عن سلبياتها.. وإذا تأزمت أحواله وتعكر مزاجه صب جام غضبه عليها ورماها بكل نقيصة. ورآها سببًا في كل مصائبه.. التراث السياسي منذ الفراعنة يقول إن الحكومة بمثابة الأب والأمن والركن الذي يأوي إليه المواطن. وهي مصدر الآلام والأحزان والمنغصات أيضاً.. وتتعاظم الثقة في الحكومة كلما أنجزت وأصلحت. وتتبخر تلك الثقة كلما ضعفت وتراجع أداؤها وعجزت عن تدبير أمور الوطن والمواطن.. وحينها تهتز الثقة فيها ويراها الناس سببًا لما هم فيه من فساد وعشوائية وغلاء وتدهور في التعليم والصحة والاقتصاد والمرافق.
مهمة الحكومة في كل العصور هي القيام علي أمور الرعية أو المواطنين وتدبير احتياجاتهم وإدارة الموارد والنظم بشكل فعال ومواجهة التحديات والدفاع عن المصالح العليا للوطن. وحمايته من الأزمات ومن الأخطار الداخلية والخارجية علي السواء.
وفي أحيان كثيرة نجد ردود أفعال الحكومة بطيئة لا تناسب إيقاع الحياة من حولها. فتتراكم الأزمات وتتأزم المشكلات. وهنا تتقطع خطوط الاتصال بين المواطن والحكومة. فلا هي تصارحه بحقيقة تلك التحديات ولا بطريقة الخروج من الأزمات. ولا هو يلتمس لها الأعذار.. وهنا يحدث الانفصال بينهما. ويلقي كل منا بالمسئولية علي الآخر.. فمثلاً في أزمة تسمم التلاميذ بالوجبة المدرسية ضاعت المسئولية. وتفرقت دماؤها بين كثيرين. ولم يحاسب المسئول الفعلي عنها.. وتأخرت إجراءات الحكومة سواء في منع تكرار الحادث وانتقاله من محافظة لأخري كما رأينا. أو في تكاثر أعداد التلاميذ المصابين داخل المحافظة الواحدة التي شهدت مئات الحالات المصابة.. وتأخر إعلان الحقائق علي الرأي العام فغابت الطمأنينة ثم جاء القرار بوقف توزيع تلك الوجبة وليس حل المشكلة من جذورها واتخاذ ما يحول دون تكرارها.. ولا أدري فيم كانت الحكومة مشغولة عن أهم مقومات هذا الوطن» وهم فلذات الأكباد. ثروة المستقبل وقادته ووقود التغيير الحقيقي وطاقته؟.. ولماذا لم تتدخل فور وقوع أولي حالات التسمم لتعلن الأسباب والحقائق كاملة. وتحاسب المتسبب الحقيقي في مثل هذا الذعر الذي صاحب تكرار التسمم في مدارس عديدة هنا وهناك؟.. لماذا لم تلتحم الحكومة بالمشكلة مباشرة وتتفاعل مع الناس عبر الإعلام أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟.. لماذا تركت معالجة أمر بهذه الخطورة لصغار الموظفين البيروقراطيين الغارقين في الروتين والترهل واللامبالاة. المفتقدين للحس السياسي غير المقدرين لحجم المسئولية الملقاة علي عاتقهم. ومن ثم فلا يعنيهم رضا الناس أو سخطهم علي الحكومة حتي اتهمها المواطن بالبلادة !
صحيح أن الحكومة الحالية لا تتحمل وحدها مسئولية تراكم المشاعر السلبية للمواطن تجاه الحكومات المتعاقبة. لكنها علي الأقل تتحمل أوزار ما نحن فيه من أزمات مستحدثة. تسببت فيها قراراتها الفجائية غير المدروسة والتي لم تتحسب لتداعياتها المؤلمة حتي فوجئت بها علي أرض الواقع. فمثلاً زيادة سعر تذكرة المترو رغم أنه لا خلاف عليها فإن القرار شابه البطء وعدم التدرج. وغياب العدالة» حيث ساوي بين من يستخدم المترو بضع محطات بمن يقله من مبتداه إلي منتهاه. ولو أنه راعي تلك الفروق ورفع الزيادة بالتدريج لما شعر بها المواطن وربما تقبلها بنفس راضية.. الأمر ذاته ينطبق علي قرار تعويم الجنيه وما صحبه وأعقبه من تداعيات تجرعت مرارتها الطبقات الأكثر فقرًا. إذ اتخذته الحكومة في وقت يئن فيه المواطن من تداعيات فوضي ما بعد الثورة وهو القرار الصعب الذي تهربت منه الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يوليو. وتركت المشكلات والاختلالات الاقتصادية المزمنة دون حل حتي انفجرت في وجه الحكومة الحالية. بسبب العجز عن اتخاذ قرارات تصحيحية في وقتها المناسب حتي توحشت الآثار الجانبية وتضخمت وبات الدواء المر أمرًا لا مفر منه يتجرعه المواطن بغير استعداد حتي صار ضحية كل القرارات الخاطئة في كل العصور.
علي الحكومة أن تدرك أن هناك حلقة اتصال مفقودة تفصل الشعب عنها » وتؤكد أنها لا تملك بوصلة تهتدي بها إلي قلوب المواطنين الذين يتهمونها دائمًا بأنها جزء من مشكلاتهم وليست جزءًا من الحل كما هو مفترض.. بينما تتبرأ الحكومة من ذلك الاتهام وتدفع بأن سلوك الناس ونمط تفكيرهم هو السبب في تفاقم الفساد وتراكم الإهمال.. وهكذا يعتقد كل طرف أنه علي الحق المبين.. وكلاهما يحتاج إلي الموضوعية والتجرد في الحكم علي الآخر.
صحيح أن وظيفة الحكومة في كل الدنيا هي إدارة البشر وتنميتهم ووضعهم علي الطريق الصحيح بالتعليم الجيد والرعاية الصحية السليمة وتحقيق الإشباع والراحة للمواطنين.. لكن المواطن الإيجابي عليه واجبات ينبغي ألا يتحلل منها ويلقي بها علي كاهل الحكومة مثل إتقان عمله وترشيد إنفاقه وتحسين سلوكه والتعامل الرشيد مع المرافق العامة..لكن الحكومة تتحمل الجانب الأعظم في النهوض بالمجتمع وتطبيق القانون بحزم وعدالة علي الجميع.. وعليها أيضًا مسئولية التواصل البناء مع الشارع وحث الناس علي المشاركة الفعالة في الشئون العامة. وعليها أيضًا مهمة إراحة الناس وتيسير سبل معيشتهم.. دون أن تمنّ عليهم أو تتهمهم بأنهم سبب المشاكل.. وعلي الإعلام توصيل صوت كل طرف للآخر وتنوير الرأي العام بواجبات الوقت والأولويات القصوي الواجب تحقيقها وتقديم الرأي والرأي الآخر.. ونقل مشاكل المحكوم إلي الحاكم ونقل وتبسيط سياسة الحاكم للمحكومين» حتي يحدث التفاهم والمساندة اللازمان لنجاح أي مجتمع.
لكن الإعلام متهم بأنه إما منحاز للحكومة وغارق في تأييدها بصورة مطلقة. والإشادة بإنجازاتها والتعامي عن سلبياتها. أو إهالة التراب علي إنجازاتها واتهامها بكل نقيصة.. وهو ما تسبب في ضياع مصداقية الاثنين عند المواطن.. مصداقية الإعلام النزيه ومصداقية الحكومة العادلة. ولم يعد المواطن يصدق لا الإعلام ولا الحكومة.. وهذه إشكالية غاية في الخطورة ينبغي دراستها بعناية إذا أردنا عودة الثقة في الحكومة والإعلام واستعادة المواطن وبناء وعيه بصورة سليمة.
ثمة أولويات أربع هي مقومات أي تقدم . وتتمثل في التعليم والصحة والأمن والديمقراطية. فإن صلحت هذه المقومات الأربع صلح المجتمع وأخذ طريقه نحو النهوض اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا. وإذا توفرت لها سبل النجاح اختفت تلقائيًا عوامل الفساد والجهل والمرض والتخلف والفقر.. صحيح أن ذلك حاضر في قلب وعقل رئيس الحكومة ووزرائه لكنه غير متحقق بالدرجة ذاتها علي أرض الواقع. وهو ما يحتاج إلي قرارات سريعة لإصلاح الخطأ لاسيما في مجال التعليم رافعة أي نهضة حقيقية.و بوصلة أي إصلاح.. فهو بمثابة القلب للجسد إن صلح صلح سائر الجسد وإن فسد فسد سائر الجسد.. وأتعجب كيف يردد رئيس الوزراء ومن ورائه وزراء التعليم مقولة إنه يجب تطوير التعليم الفني وإزالة معوقات إصلاحه خصوصًا دونية نظرة المجتمع إليه وعزوف الطلاب عنه بينما علي أرض الواقع تكرس الحكومة هذه النظرة بإهمال مدارس التعليم الفني وخريجيها رغم حاجة المجتمع إليهم ربما أكثر من حاجته إلي التعليم العام الذي يقذف كل عام بآلاف العاطلين إلي الشارع دون مؤهلات حقيقية ولا مهارات تناسب سوق العمل المتطورة.. فإذا كنا نحتاج لخريج جامعي واحد فإننا في المقابل نحتاج لأربعة من خريجي التعليم الفني ذوي مهارة تتطلبها المشروعات العملاقة في الطرق والإسكان والزراعة والتعدين يجري تنفيذها بطول البلاد وعرضها.. وتعاني عجزًا صارخًا في مثل هذه العمالة الفنية المدربة.
إعادة الاحترام للتعليم الفني أول واجبات الوقت. وينبغي أن ترصد له مخصصات كافية للنهوض به ووضعه علي خريطة العالمية وإعطائه أولوية في الموازنة العامة ومعاملة خريجيه بصورة لائقة كما يحدث في العالم المتقدم الذي يمنح مثل هؤلاء الفنيين المهرة رواتب وأجوراَ أعلي من نظرائهم خريجي التعليم العام. فالاستثمار في العمالة الفنية هو استثمار مربح علي المدي القريب والبعيد.
وإذا كانت الحكومة تحارب أكثر من معركة. بدءًا بالإرهاب. مرورًا بتلبية الاحتياجات وصولاً للتنمية الشاملة فإن التحدي الأكبر هو الحصول علي ثقة الشعب التي لن تتحقق إلا إذا عملت تلك الحكومة عملاً صالحًا ينهض بحياة المواطنين خصوصًا الكادحين والمعدومين والطبقة الوسطي.. وإذا كانت الإصلاحات الاقتصادية ضرورية لا مفر منها فإن حماية الفقراء فريضة لا مناص عنها.
ندرك أن التحديات صعبة. والمشوار لا يزال طويلاً كما تحدث رئيس الحكومة المهندس شريف إسماعيل مراراً وتكرارًا.. لكن إذا لم تحقق الحكومة الحد الأدني من مطالب الناس فلن يستشعر المواطن حالة رضا عن أدائها. وهو ما ينبغي أن تسارع الحكومة إلي احتوائه بالسيطرة علي الأسعار وخفضها وتحقيق الإشباع وتوفير الموارد بطرق غير تقليدية لا يتحمل المواطن فيها أعباء جديدة.. وعليها أن تعترف بشجاعة بأن بعض دوائرها المترهلة بالروتين والبيروقراطية والفساد الإداري جزء من أزمة المواطن. فلا يزال هناك طائفة من الموظفين البيروقراطيين يعوقون تحول مصر إلي حال أفضل ويخشون النجاح والإصلاح وتجاوز الكابوس الاقتصادي وهؤلاء يجعلون مهمة من يتعامل مع أجهزة الحكومة قطعة من العذاب إن لم تكن مستحيلة بل إن أمثال هؤلاء يتسببون في كراهية المواطن للحكومة.. فكثرة الأيدي تفسد الطعام كما يقول المثل.. وتعدد المصالح والأجهزة يعقد مهمة إقامة المشروعات ويجعل أي مشروع يصل إلي مرحلة الشيخوخة قبل أن يولد.. فمتي يكون لدينا وزارة واحدة أوجهة واحدة تتولي التعامل مع المستثمرين سواء في منح التراخيص أو الأراضي اللازمة للمشروعات المطلوبة للدولة. ومتي يجد المواطن جهة واحدة تتولي إنجاز مهمته في استخراج ما يشاء من وثائق وشهادات متي تتحقق الميكنة الكاملة للجهاز الإداري ويتوقف الفساد وإهدار الوقت والجهد.. وقبله إزهاق أمل المواطن أن يعيش في وطن يحترم آدميته وحكومة مهمتها إراحته وتيسير أموره وليس التنغيص عليه وتحويل حياته إلي قطعة من العذاب..؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف