رياض سيف النصر
محاولة للفهم .. فلسطين .. قضية مصرية
"لم يعد أحد يتذكر قضية فلسطين. بل ان أهلها ذاتهم انشغلوا بصراعات الحياة. حتي أنهم أقاموا أمام العالم كيانين سياسيين منفصلين. واحد منهما في الضفة الغربية والآخر في غزة".
تلك الرؤية قدمها الدكتور عبدالمنعم سعيد في مقال بجريدة الأهرام. حول القضية الفلسطينية التي كانت توصف بأنها "قضية العرب الأولي".. ثم تراجع الاهتمام بها عربياً وعالمياً.
ولاشك ان ماجري في الدول العربية من احداث مؤسفة. أدت إلي تقسيم السودان.. وانهيار الدولة في العراق وسوريا وليبيا وما يجري من معارك علي أرض اليمن. أدي إلي تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية. وانشغال كل دولة بمشاكلها الخاصة.
ومن هنا تأتي أهمية كتاب الجمهورية "فلسطين والمستقبل العربي" لمؤلفه الكاتب الكبير عبدالعال الباقوري المهموم دوماً بقضية فلسطين.
صدر الكتاب في التوقيت المناسب تماماً. فالقضية الفلسطينية تتعرض لمؤامرات عديدة. تهدف إلي التراجع عن قرارات الأمم المتحدة التي أقرت بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة علي حدود عام 67. وعاصمتها القدس الشرقية. بينما يبدو في تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب. ان هناك عدم رضي عن مواقف المنظمة الدولية. فقد صرح بأن حل الدولتين لا يمثل الحل الأمثل لحسم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. كما سبق خلال حملته الانتخابية أنه ينتوي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلي القدس. ولم يتضح حتي الآن إذا ما كان الرئيس الأمريكي تراجع عن تلك المواقف. خاصة بعد ان التقي بملك الأردن. وولي ولي العهد السعودي. وسيلتقي خلال الأيام القادمة بالرئيس المصري.
كما يصدر الكتاب قبل أيام من انعقاد القمة العربية في عمان. وتحتل قضية فلسطين أهم بنود جدول أعمالها. ولم تعد بيانات الشجب والادانة.. أو الدعم المعنوي للفلسطينيين كافيا.. انما مواقف واضحة ومحددة تترجم إلي إجراءات عملية لحماية الحقوق الفلسطينية في إقامة دولتهم المستقلة علي حدود 4 يونيو 67. وقف المبادرة العربية التي قدمها الزعماء العرب لحل القضية الفلسطينية. وما أكده البيان الصادر عن مباحثات القمة المصرية الفلسطينية بين الرئيسين السيسي وعباس.
في ظل تلك الاحداث يصدر كتاب الجمهورية "فلسطين والمستقبل العربي" الذي يطرح أبعاد القضية الفلسطينية. وجذور الصراع العربي الإسرائيلي. والرؤي المتعددة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
يحذر الباقوري مما يجري في الشارع العربي من إسقاط فلسطين فكرياً وإعلامياً. بسبب طغيان كل ما هو قطري واقليمي علي ما هو قومي. ويطالب بحركة احياء عربي جديدة تعيد الثوابت العربية. وترتبط أساساً بفلسطين. التي كنا نعتبرها قضية العرب الأولي.. ومن أسف ان تجاهل فلسطين وقضيتها وحقوق شعبها قد بلغ المدي.
ويعتبر الباقوري أحد المفكرين القلائل الذين يتمسكون بمواقفهم الثابتة من القضية الفلسطينية. في وقت تخلي فيه العديد من الكتاب العرب. عن مواقفهم السابقة بحجة ان الزمن تجاوز تلك الأفكار القومية. التي لم تعد تلقي القبول لدي المواطن العربي. علي حد زعمهم..يري الباقوري ان فلسطين قضية مصرية. وان المستقبل العربي مرتبط بتلك القضية. وهذه الحقيقة لا تحتاج إلي شرح أو تفصيل.
ويرد علي مخالفيه. بأن أي شرح أو تفصيل لا يعنيهم. وقد يزيدهم عناداً. خصوصاً أنهم يعترفون بأنهم أقلية.. مهما تزايدوا.. وزايدوا.
وفي نفس الوقت لا يصادر الباقوري حقهم في الاختلاف.. وان يعبروا عما يؤمنون به. ما داموا بعيدين عن السقوط في بئر الخيانة والتآمر.
ويتوقف الكاتب الكبير عند ما يجري في العديد من الدول العربية. سوريا.. العراق.. ليبيا.. اليمن. ويري ان ما جري ليس لتجاهل قضية فلسطين فقط.. وتراجعها عربياً. بل يتوازي هذا مع تزايد وتيرة التطبيع البغيض سراً وعلانية مع العدو.
ويقتحم الباقوري القضية "المسكوت عنها".. والخاصة بحل عربي للمسألة اليهودية. وذلك بعودة اليهود العرب إلي بلادهم. خصوصاً ان الغالبية من العرب لم تعد تري ان الصراع في فلسطين هو صراع ضد اليهود. بل كان وسيظل ضد الصهاينة. وكل من يساندهم في العدوان علي أرضنا واغتصاب حقوقنا.
ويطالب باستراتيجية عربية. تحدد كيفية السبيل إلي تحرير فلسطين في الحدود والظروف التي أصبح يوجد عليها شبه اتفاق عربي وفلسطيني. تتمثل في دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة علي الاراضي التي أحتلت عام 67. وعاصمتها القدس. مع ضمان حق العودة للاجئي 1948. ونازحي 67. وضمان حقوق المواطنة لعرب 48. بعض العرب ومنهم القيادة الفلسطينية يري ان هذا الحل يتحقق بالتفاوض. وبعض آخر ومنه فصائل فلسطينية يري ان التفاوض وحده لا يحقق الحل العادل.. انما الجمع بين التفاوض والقتال.
ويحسب للزميل سيد حسين رئيس تحرير كتاب الجمهورية نشر هذا المؤلف المهم.. في التوقيت المناسب تماماً.