حملت صفحات فيسبوك وميكروفونات المساجد في كفر الشيخ البشرى للأهالي. آلاف الوظائف في انتظار العاطلين والباحثين عن فرص بعقود ثابتة وتأمين للمستقبل برعاية المحافظة نفسها. حشود وأعداد غفيرة عجزت المحافظة عن استيعابها فنقلتها إلى أرض الاستاد الواسعة، نقلت صور المنتديات وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي جانبا كبيرا منها لكن النهاية جاءت حزينة ومؤلمة. إصابات كثيرة وقعت، نقل الأهالي والإسعاف أصحابها إلى المستشفيات القريبة، وزار المحافظ لاحقا المصابين. خرج معظمهم وبقي ثلاثة حتى أول من أمس الإثنين، لأن إصاباتهم كانت الأكبر والأخطر. اكتشفت أن من بين المصابين فتاة تدعى "آية" غادرت المستشفى قبل أن أتمكن من الوصول إليها أو معرفة حكايتها وحجم إصابتها، أما محيى السعيد فأعيته المسكنات والأدوية وألم الإصابات وجعلته غير قادر على الحديث أو استعادة ما حدث فاعتذر إليّ بأدب جم. يرقد ثالثهما محمد عبد الوهاب متولي عبد العاطي على سرير المستشفى منذ أن استعاد وعيه الذي غاب مع الدقائق الأولى من الحادث. إلى جواره زوجته التي كانت معه يوم الواقعة، وإلى جوارهما أطفالهما الستة وباقي العائلة. يحكي عبد الوهاب ما حدث باستفاضة، زف له ميكروفون مسجد قريته فى مركز الحامول بإلحاح طوال الأسبوع قرب الخلاص من حاله المادية السيئة، ووجود فرص عمل كثيرة تناسب كل الأعمار والتخصصات وبضمان من المحافظة.
يعمل "بدراعه" كما يقول، ولا يملك صنعة أو مصدر دخل غيرها يكفي للعيش ولدفع إيجار شقته وإطعام أولاده. اضطرته الظروف إلى الاستعانة بقرض لتزويج كبرى بناته، الآن شبح السجن يلوح أمام ناظريه إن عجز عن إتمام سداد أقساطه بعد إصابته. اصطحب زوجته في صباح اليوم المنتظر وتوجها معًا إلى ساحة الاستاد، وقفا منذ الثامنة صباحا وحتى الحادية عشرة. صدمتهما الأعداد الكبيرة. بشكل رتيب تفتح بوابة بعيدة أبوابها بمعدل خمس دقائق لتستقبل دفعة جديدة فيدفع الواقفون بعضهم بعضا باتجاهها أملا في اللحاق بالدفعة التالية، لم يتدخل أحد لضبط الأمر. بدا المشهد في عين القائمين عليه كيوم افتتاح مطعم يوزع بضائعه مجانا، وكأنهم سعداء بالإقبال وبالصور التي ستلتقط للتزاحم على أبوابه. يكمل وصفه: بالدفع اقتربت من البوابة المنتظرة، لم أفرح. لم يمهلني دفع جسدي، لأني قبل نصف متر فقط سقطت. شعرت أن كفر الشيخ كلها دهست جسدي، حين أفقت شعرت أن الذباب يحوم فوق وجهي. لا يرى محمد بعينه اليمنى الآن، لم يحسم الأطباء إن كان هذا أمرا مؤقتا يمكن علاجه مستقبلا أم لا، أما ساقه فاستدعت الكسور التي ألمت بها جراحات لتركيب خمس شرائح، التهمت هذه الجراحات ما تبقى معه من نقود، أخبره الطبيب أن الأمر معلق وأمامهم وقت طويل لحسم إن كانت ساقه ستحتاج لتدخل جراحي جديد أم لا. والآن أمامه شهران قبل أن يطأ الأرض باحثا عما يستطيع فعله.