الدم لا يصبح دماءً أبدا.. الاخوة تختلف وجهات نظرهم.. أو تتصادم مصالحهم.. أو يحدث أي سوء تفاهم.. أو تقابلهم اية اشاعة أو دسيسة.. يتشاجرون ومهما وصل الخلاف ثم المشاجرة أو أي تطور آخر مهما حدث بعد أيام إذا تقابل الاخوان أو الشقيقان سيتعانقان.. وربما تخونهما الدموع وتنفجر العواطف.
الدم لا يمكن أن يكون ماء.. ليس هذا كلاما اجتماعيا متوارثا بل حقيقة علمية بيولوجية.. لذلك كان الزواج من الأقارب - ولا أقول الاخوة - مجرد الأقارب الزوتج بينهم خطر صحي أثبت ذلك العلم!!
***
العلاقة بين مصر والسعودية علاقة أشقاء فعلا.. ليس من اليوم أو الأمس بل علي طول التاريخ.. عاشرت عن قرب لظروف عائلية مدي العلاقة التي كانت تربط الملك فاروق بالملك عبدالعزيز آل سعود محرر المملكة الذي حارب بنفسه وجمع الشمل وأسس المملكة بعد طول شتات.
بدأت العلاقة باصرار مصر علي ان يكون لها شرف وثواب والتقرب لله وتكسي الكعبة الشريف كل عام.. وهنا ظهرت فكرة المحمل والجمل الذي يلف شوارع القاهرة إلي أن يسافر إلي السويس علي بواخر عبود حاملا الكسوة وما معها من خير ربنا.. ثم بناء ما سموه "التكية" منازل بدائية في كل المدن والصحراء لتقديم وجبات الأكل وأماكن للراحة والنوم وقضاء الليل ثم بناء المدارس وكل ما تحتاجه من مدرسين ونظار وكتب وكراريس وأقلام وكل شيء.. وصلنا إلي الحميمية والاخوة الصادقة التلقائية الصادرة من القلب.. لم ير مصري سعوديا بالصدفة ولا يلقي سعودي مصريا بالصدفة إلا وتعانقا وبحب حقيقي دون معرفة سابقة!!
***
لا أنسي في الستينيات حينما حدث سوء تفاهم ما وتقرر منع المصريين من أداء العمرة أو الحج.. في نفس الوقت كان هناك آلاف من المصريين والمصريات يصيبهم مرض ما إذا جاء وقت الحج ولم يسافروا.. كانوا يمرضون فعلا وهذا وقع حقيقة.. وبلا أي اتفاق أو ترتيب أو أي شبه عمل جماعي سافر آلاف من المصريين إلي حدود الأردن واستأجروا سيارات ضخمة وسافروا إلي تبوك علي حدود السعودية بلا أي تأشيرة دخول.. اتصل ضابط الجوازات السعودي برئيسه واتصل الرئيس بوزير الداخلية الذي أيقظ الملك فيصل من النوم قبل صلاة الفجر بساعتين.. ماذا نفعل؟ كان هذا هو السؤال.. صرخ الملك فيصل قائلا:
- لا يرد أحد عن بيت الله قط.. وبعد فترة قليلة.. عاود الملك فيصل الاتصال وأمر بأن ينزل كل هؤلاء ضيوفا علي المملكة.. قال لي الحاج طحاوي أكبر مقاول في مصر وعضو مجلس ادارة نادي الزمالك.. قال لي:
- لم يضع أحد من هذا الجمع الكبير جدا.. لم يضع أحدنا يده في جيبه طوال الرحلة.. فقط.. كل شيء علي حساب المملكة.. حتي الهدايا التي طلبوها لاقاربهم رفضوا أخذ ثمنها!!
***
كان الحاج طحاوي يصف المحبة التي قوبلوا بها في المملكة محبة الهية لم يكونوا يحلمون بها وفي نفس هذه الأثناء وقعت حرب 1967 وكان الاعلام المصري قد تجاوز كل الحدود وآداب المهنة ضد السعودية وفي نفس الاثناء ايضا اصرت بعض الدول العربية علي عقد اجتماع قمة للجامعة العربية.. لأن وجود الجيش الإسرائيلي علي طول الضفة الشرقية للقناة تهديد لكل الدول العربية لا مصر فقط.
ونفس ما حدث في الأردن منذ أيام.. حدث في السودان مع بداية اجتماع قمة الخرطوم - وكانت اشهر قمة - لمح الملك فيصل جمال عبدالناصر الذين تأخر قليلا عن الاجتماع.. لمحه الملك فيصل وهو في طريقه للاجتماع يسير في الممر الطويل فنهض الملك بسرعة واسرع في الممر فارادا ذراعيه ليعانق عبدالناصر.. قيل ان العناق استمر بعض الدقائق حتي لا ير أحد دموع القمتين العربيتين.. الدم لا يمكن أن يصبح ماء.