لأني وهبت هذه المساحة منذ أن بدأت الكتابة للدفاع عن قضايا البسطاء الذين أنا منهم. أهلنا وناسنا الطيبيون. فلم أتعود أن أداهن أحدا أو أجامل أو أنافق. كما لم أتعود أن أتكسب أو أحصل مصلحة شخصية أو أتربح من وراء ما أكتب. لكن هذه المرة أجدني مدفوعا للكتابة عن هذا الرجل. ودليلي أنه طبيب أمراض نساء ولا أظن أني سألد علي يديه مطلقا.
قادتني الصدفة إلي عيادته. ومثل كل المواطنين دار الحوار بيننا حول ما نعانيه الآن من أحوال اقتصادية سيئة. وكيف تزين لنا الحكومة الوضع بتصريحات وردية لا تسمن ولا تغني من جوع. وكيف تبث لنا السم في العسل لتمرر موافقتها علي قروض دولية تزيد الطين بلة أو تفرض علينا جمارك وضرائب لا طائل لنا بها أو غير ذلك مما تصنعه الحكومات الفوقية بشعوبها.
ولم أكن أتوقع أن أجد أمامي رجلا مثقفا وطنيا من الطراز الأول منتميا إلي هذه الأرض الطيبة من أخمص قدميه حتي شعر رأسه. وشرق كلامه وغرب في موضوعات شتي. متحدثا عن الظروف التي مرت بها مصر منذ عهد جمال عبدالناصر وحتي الآن. وكيف أنها الأسوأ علي الاطلاق. والسبب ليس لأننا نعاني من اقتصاد يئن أو أسعار جنونية. إنما لأننا نحارب ارهابا أسود وجماعات تكفيرية هي الأشرس علي مر التاريخ.
وقال في حماس ممزوج بواقعية ان مشكلتنا ليست فيما نردده الآن عن جنون الأسعار أو في الوضع الاقتصادي المتراجع أو عدم قدرة الحكومة علي توفير حياة كريمة لشعبها أو ايجاد موارد جديدة للموازنة أوغير ذلك من الأسباب. إنما مشكلتنا الآن أكبر من ذلك بكثير. ولو كانت المشاكل محصورة في هذا الاطار لكان من اليسير والسهل ان نصحح أوضاعنا. وقد مرت مصر بما هو أقصي من ذلك ونجحت بسلام والحمد لله.
واسترجع الرجل معي تاريخا صعبا وحوادث جساما مرت بها مصر وخاضتها بكل بسالة وشرف. سواء علي المستوي السياسي منذ حروب 48 و67 و73 أو علي المستوي الاجتماعي والثقافي والأخلاقي وخاصة غياب الضمير الذي أدي إلي التأثير السلبي علي كل مناحي الحياة ووضع مصر الاقليمي ومكانتها الدولية. ثم توقف متأملا حالنا الآن في مقارنة بين الماضي والحاضر وقال الناس مهمومة بثمن كيلو البطاطس ولا تلتفت إلي ما تعانيه مصر من وجع علي حدودها ومن وجع في سيناء ومن وجع علي المستوي الدولي ممن يريدون تركيعها.
وربما كانت الحالة الوحيدة التي أدان فيها الحكومة هي أنها لا تجيد الإعلام عن نفسها في شفافية. ولا تدير معركتها الإعلامية كما يجب وبما يعود عليها وعلي المواطن بالنفع. فهناك جهود تبذل لكن لا يعرف المواطن عنها شيئا. وهناك حرب شعواء تدار علي المستوي الأمني ولا يعرف المواطن عنها شيئا. وهناك موقف حاسم لمصر ضد كل محاولات تهميشها بالمنطقة ولا يدري المواطن عنها شيئا. ويجب علي الحكومة ان تشرك الشعب في معركتها المصيرية.
كنت طوال الوقت أطأطئ رأسي موافقا علي كل ما استعرضه الرجل من آراء ايجابية. وخرجت من عيادته وقد تغيرت نظرتي إلي ما نمر به من ظروف. مقتنعا بأن علي كل فرد منا أن يقف بجوار بلده في تلك المعركة الشرسة التي نخوضها. وليتنا جميعا نفكر بطريقة الدكتور جابر السروجي مدير مستشفي كفر الدوار سابقا.