السيد العزاوى
شهر رجب وذكريات الإسراء والمعراج
مع هلال شهر رجب كل عام تعود للذاكرة أحداث ووقائع عزيزة علي قلب كل مسلم لأنها من بين فصول السيرة النبوية الخاصة بسيد الخلق ورسول الرحمة للعالمين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ففي الأيام التي سبقت هذا الشهر الكريم "رجب" كانت هناك وقائع تحمل الكثير من التفاصيل خاصة ان "رجب" من بين الأشهر الحرم وكان العرب يطلقون عليه "رجب المضر" وقد ورد ذكر الأشهر الحرم في القرآن الكريم "ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم" ومن الذكريات التي سجلتها كتب السيرة والتراجم ان الرسول الكريم قبل أيام شهر رجب مرت به ظروف كانت قاسية في آلامها وتأثيرها في نفس المصطفي صلي الله عليه وسلم حيث ان الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم قد تعرض لفقد عمه أبوطالب وزوجته أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد وقد كان لكل واحد من هذين الاثنين مواقف لا تنسي في حياة سيد الخلق صلي الله عليه وسلم فالعم أبوطالب تولي رعاية الرسول الكريم محمد ابن اخيه عبدالله بعد جده عبدالمطلب وكان نعم العم بمواقفه وشهامته والوقوف بجوار ابن الأخ لم يفرط ولم يتحرك قيد أنملة عن تأييده والوقوف في وجه خصومه ومن بين هذه المواقف ان كبار الكفار من أهل مكة جاءوا إلي أبي طالب وطلبوا منه ان يتوسط لدي ابن أخيه محمد صلي الله عليه وسلم وان يبقي دعوته التي جاء بها واحدث واقعا جديدا زلزل المفاهيم البالية وغير دين الآباء والأجداد حيث كانت عبادة الأصنام فقد دعا في دينه الجديد إلي عبادة الله وحده لا شريك له وطلبوا من أبي طالب أن يتوسط لدي ابن أخيه في ان يبقي الرسول دعوته علي نفسه وله كل ما أراد من أي شيء يطلبه لكن عندما عرض أبوطالب هذه الأفكار التي طرحها كبار أهل مكة علي الرسول الكريم جاء الرفض الكامل ليس هذا فحسب وإنما أضاف صلي الله عليه وسلم قائلا: والله يا عم لن أترك هذا الأمر حتي يظهره الله أو أهلك دونه!!
عندما سمع أبوطالب هذه الكلمات من ابن أخيه قال في حسم قل ما شئت يا ابن أخي والله لن اسلمك إليهم أبدا ثم أنشد يقول: ولقد علمت بأن دين محمد.. من خير اديان البرية دينا لولا الملامة أو حذاري ثبتا.. لوجدتني سمحا بذاك مستبينا واستمر علي موقفه البطولي لكن شاءت الأقدار ان يرحل هذا العم عن الدنيا وكان لذلك أثره في نفس الرسول.. لكن الأمر لم يقتصر علي وفاة العم أبي طالب فقد جاءت وفاة السيدة خديجة بنت خويلد.. تلك الزوجة التي تفوقت علي الرجال في مواقفها مع الرسول الكريم فقد عايشت معه الأيام الأولي من بعثته صلي الله عليه وسلم وما دار فيها من وقائع كانت جديدة علي قلب سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم فعندما جاءه الوحي وارتعدت فرائسه وأخذ يحكي لزوجته تفاصيل ما رأه أخذت تطمئنه وتبعث بكلماتها الدافئة الراحة في وجدانه ولم تتوقف عند هذه العبارات المطمئنة لكنها اخذت الرسول وتوجهت إلي ابن عمها ورقة بن نوفل حيث كان علي علم بأهل الرسالات السماوية وطلبت منه أن يطمئن خاطر الرسول زوجها وقد طلب منه ورقه ان يحكي تفاصيل الاحداث التي جرت به وبعد ان انتهي الرسول من سرد كل التفاصيل قال ورقه ان هذا الناموس "يقصد الوحي" الذي جاءك لم يأت لنبي قبلك الا وقف الاعداء من الجهلاء له بالمرصاد ثم أردف قائلا: ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك من هذه الديار؟ فقال الرسول: أو مخرجي هم؟ قال: نعم ومضت الأيام وتحقق ما قاله ورقه لكن ظلت هذه السيدة الفاضلة بجوار الرسول ترعاه بصدق وحب وحنان منقطع النظير ومن كلماته التي سجلها التاريخ بأحرف من نور تؤكد بها مواقفها الخالدة والله لن يخزيك الله أبدا. انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضعيف وتعين علي ثوابت الحق وشاءت الأقدار ان ترحل هي الأخري عن هذه الدنيا مما أضاف آثارا حزينة إلي قلب الرسول الكريم وقد اطلق الرسول علي العام الذي فقد فيه العم والزوجة "عام الحزن" نتيجة لآثاره في قلبه.
ومن تكريم الله للرسول الكريم وتسرية عن نفسه شاءت إرادة الحق تبارك وتعالي ان يأخذ الرسول الكريم في رحلة للتخفيف عن آلامه واحزانه رحلة من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي بالشام ثم كانت رحلة المعراج الخاصة بسيد الخلق إلي سدرة المنتهي. يقول ربنا: سبحان الذي أسري بعبده ليلا من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير ثم كانت هذه الرحلة مثار جدال بين أهل مكة إذ كانوا يقطعون هذه الرحلة في شهر ذهابا وشهر عودة فكيف يقطعها في هذا الوقت القصير.. تلك بعض الذكريات التي تحملها لنا أيام شهر رجب ولنا عودة بإذن الله تعالي لنعيش مع ذكريات الاسراء والمعراج وما تحمله من معان وتكريم لرسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه.