يسرى حسان
خيال وزير التربية والتعليم
سمعت أن وزير التربية والتعليم د.طارق شوقي. جاء بمشروع جديد. بدأ تنفيذه فعلاً. اسمه "المعلمون أولاً". قلت ينصر دينك يا وزير. هكذا تكون أفكار الدكاترة. هكذا يكون تطوير التعليم علي أصوله. أن نبدأ بالمعلمين. علينا أن نستبشر خيراً بهذا الوزير الهمام صاحب الخيال اليقظ المتيقظ.
أعرف معلمين كثيرين حالتهم ضنك. وأوضاعهم المالية. وبالتبعية حالتهم النفسية. مذرية والله. لكن الوزير وضعهم في دماغه. ولابد يُحسن أوضاعهم ما دام قد جاء بهذا المشروع العظيم الذي يضعهم في الصدارة وقبل أي شيء.
فرحتي لم تتم. طلع المشروع "فنكوش". لا تحسين أوضاع ولا دياولو. يختارون مدرساً أو اثنين من كل مادة ويخضعونهما للتدريب. ثم يعود هذان المدرسان لينقلا إلي زملائهما ما تدربا عليه.
يقول الذين تدربوا للذين لم يتدربوا: مطلوب من المعلم أن يكون مبتكراً وصاحب خيال. أن يشرح دروسه بطريقة جديدة وغير تقليدية. كأن "يُمسرح" المادة مثلاً حتي يجعلها محببة إلي طلابه.
جميل أن يبتكر المعلم ويُشغل خياله "ويقلبها مسرح". لكن كيف وهو مشغول بتدبير وجبة غداء أو عشاء لأطفاله. أو بتسديد ما عليه من ديون. وما إلي ذلك من مشاكل مادية يعاني منها أغلب المعلمين. خاصة أصحاب الضمائر الحية الذين لا يعملون في الدروس الخصوصية أو يجبرون طلابهم عليها؟
كيف ابتكر وأجدد وأستعين بخيالي. وأنا ضائع أساساً ومشغول بتدبير ضرورات الحياة. كيف "أمسرح" المادة وأنا أشعر بالضعف والهوان وقلة الحيلة. وأنا غير آمن علي يومي وغدي. وأنا شبه معدم. ومحبط. ومرعوب من أن يبيت أطفالي بدون عشاء؟
لا مبالغة والله. أعرف مدرسين هذه حالهم. وبعضهم يعمل بعد الظهر في كافيتريا أو سوبر ماركت أو أي مهنة تدر عليه دخلاً يستطيع به استكمال شهره. كيف أنتظر منهم أداء مختلفاً وجديداً وغير تقليدي.
حسنوا دخل المدرس أولاً. ارفعوا من شأنه بعد هوانه وضنكه. ثم بعد ذلك اطلبوا منه ما شئتم. لدينا إجازة صيف طويلة تستطيعون خلالها تدريبه وتثقيفه وإعداده. بشرط أن تؤمنوا له حياته المادية. ساعتها سيكون علي استعداد لنقل مقر إقامته إلي المدرسة. والتعامل بخيال مبدع فنان مع طلابه.. أما إذا ظلت أحواله المادية كما هي عليه.. فإن ما تطلبونه منه عبث وتهريج.. والحكاية أصلاً مش ناقصة.
مشكلة هذه الحكومة البائسة أنها تتعامل مع الناس "من فوق" تتجاهل ظروفهم وأحوالهم المعيشية القاسية وتطلب منهم أن يكونوا عبيداً ينفذون ما يؤمرون به دون مناقشة أو اعتراض.. فاض الكيل بالناس فاحذروا غضبهم المكتوم والذي أراه قد أوشك علي الانفجار!!