الجمهورية
مدبولي عثمان
دائرة الوعي .. التصالح مع النيل هو الحل
توقفت طويلا أفكر في مقولة الصديق: "لن تنصلح أحوال المصريين إلا إذا تصالحوا مع النيل.. عندما كنا نشرب من مياهه النقية كانت أحوالنا علي مايرام .. وارتبكت كل أمورنا حاليا لأننا لوثنا مياه النيل وأهناه واستهترنا به" تذكرت وأنا أفكر في كلمات الصديق. المقولة التاريخية للمؤرخ هيرودوت "مصر هبة النيل" وكيف حولناه بأيدينا إلي شريان للموت.
وتراقصت أمام عيني صور عربات الصرف الصحي وهي ترمي بحمولاتها القذرة ليلا ونهارا في الترع والرياحات وكل فروع النيل. وأمام أعين المواطنين والمسئولين دون ان يحركوا ساكنا لمنعهم. والمثير للسخرية أنه علي بعد أمتار قليلة من موقع العربات التي تلقي مياه المجاري. يقف الفلاحون حفاة وسط المياه الملوثة لري الزرع فيصابوا بالامراض وينتجوا محاصيل تجلب المرض.
وكشف أحدث تقرير صادر عن جهاز شئون البيئة في ديسمبر الماضي أن محطات معالجة المجاري بالوجه القبلي و4 مصارف للمجاري هي الرهاوي وسبل وتلا وعمر بك. تلقي بفرعي دمياط ورشيدپ872 مليون متر مكعب سنويا من مياه الصرف الصحي غير المعالجة أو التي تعرضت لمعالجة ابتدائية فقط.
وأشار التقرير إلي أن 72 مصرفا زراعيا يلقي مباشرة في النيل حوالي 13,7 مليار متر مكعب سنويا من المياه المحمَّلة بالمبيدات والكيمياويات. جنبا إلي جنب مع الصرف الصحي الخاص بالقري المحرومة من الخدمة. وأن 14 محطة كهرباء تلقي بنحو 4,2 مليار متر مكعب من مياه التبريد في النهر. وأن 8 منشآت صناعية تتبع وزارة التموين "6 لصناعة السكر و2 لصناعة الورق" تلقي في النيل 150 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصناعي سنويا. علما بأن صرف المنشآت الصناعية يعد الأكثر تأثيرا علي نوعية المياه لاحتوائه علي العديد من المركبات العضوية وغير العضوية. إضافة إلي المعادن الثقيلة.
وجانب خطير لتلوث النيل يأتي من سلوكيات المواطنين. سماه الدكتور جمال محمد صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي بكلية الزراعة بـ"التلويث البشري" ويتمثل في إلقاء الزبالة والقمامة وجميع أنواع المخلفات الملقاه في الترع أو علي ضفتي مجري النيل بأكمله.
وبسبب تلويثنا لمياهه لم يعد النيل شريان حياة للمصريين . بل إنه تحول إلي أداة للموت . فلتوث المياه وراء انتشار أمراض الكلي والكبد بين المصريين . وكشفت اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية. أن أكبر نسبة انتشار للفيروس سي عالميا تكمن في مصر وأن 14% من المصريين تعرضوا للفيروس و10% من بينهم يعانون من المشاكل و5.1% من الشعب المصري مصابون بالتهاب كبدي مزمن بعضهم يحتاج إلي زرع كبد. وتشير الإحصائيتان إلي أن مصر تتصدر دول العالم في عدد المصابين بأمراض الكلي . وأن عدد الحالات المصابة بمرض الفشل الكلوي 2,6 مليون مصري. 90% منهم دون سن الـ50 و40% من هذه الحالات في حاجة إلي عمليات زرع كلي.
وقد أحسن القضاء الاداري المصري باعتبار تلويث النيل جريمة "شروع في القتل" فقد أصدرت محكمة القضاء الإداري بأسوان. برئاسة المستشار عبدالفتاح حجازي. حكما تاريخيا في 30 نوفمبر 2016 بتجريم تلويث نهر النيل باعتباره "شروعا في قتل".
تلويث المياه ليس الوجه الوحيد لاهانة المصريين للنيل. فهناك التعديات علي شواطئه بالردم أو للبناء أو للزراعة بشكل يهدد سلامة مجري النهر. وطبقا لاحصائيات الدكتور عبدالعاطي الشافعي. رئيس جمعية حراس النيل وخبير الموارد المائية. فإن هناك 54 ألف حالة تعد علي نهر النيل. لم يتم إزالة سوي 8 آلاف تعد فقط ومازالت التعديات قائمة ومستمرة.
وهناك جريمة اخري تتمثل في حرمان المصريين البسطاء خاصة في المدن الكبري من رؤية النيل. باستيلاء أصحاب النفوذ والنقود علي شواطئه. فتم تخصيص مسافات طويلة من الشاطئ لأندية خاصة بأصحاب النفوذ وحدهم والباقي استولي عليه أصحاب النقود لاستثمارها كفنادق ومطاعم وشاليهات وصالات أفراح.
والمصالحة مع النيل لن تتم إلا بتوافر إرادة حكومية جادة وخالصة في تنفيذ المادة رقم 44 من الدستور التي تنص علي "التزام الدولة بحماية نهر النيل. وعدم إهدار مياهه أو تلويثها. واتخاذ الوسائل الكفيلة بتحقيق الأمن المائي ودعم البحث العلمي في هذا المجال. ويحظر التعدي علي حرمه أو الإضرار بالبيئة النهرية. وتكفل الدولة إزالة ما يقع عليه من تعديات" وأن يقوم مجلس النواب بدوره في وضع تشريعات لتغليظ العقوبة علي المعتدين علي النيل بدلا من القانون 48 لسنة 1982 الذي يشجع المعتدين بعقوباته الخفيفة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف