بوابة الشروق
فهمى هويدى
من نصدق؟
أكثر ما يلفت الانتباه فى إعلان قمة عمان أن اللغة فيه انفصلت عن الحقيقة، حتى أزعم أن نتائج اللقاءات الثنائية الجانبية ربما كانت أفضل بكثير من اللقاء الذى عقده القادة العرب مجتمعين. أقله لأن اللقاءات الثنائية ــ بين الرئيس السيسى والملك سلمان مثلا ــ مدت جسورا وأحدثت تفاهمات ما كان لها أن تتم إلا إذا فتح كل طرف قلبه للآخر بدرجة أو أخرى. أما البيان الذى صدر موجها إلى الأمة فلم يتوافر له شىء من هذا أو ذاك. إذ إلى جانب أنه خطاب من طرف واحد فقد روعى فيه أن يرطب الجوانح ويجبر الخواطر ويطمئن الجميع إلى أن القادة لايزالون عند حسن الظن بهم، ولم يقصروا فى القيام بما يجب. والبيان المعلن شاهد على أنهم وفوا وكفوا، ولن يسألهم أحد فى شىء مما قالوه.
خذ مثلا ما قيل فى الشأن الفلسطينى الذى كان محوره الدعوة إلى إطلاق مفاوضات السلام مع الإسرائيليين للتوصل إلى حل على أساس المبادرة العربية التى تبنتها قمة بيروت عام ٢٠٠٢، وذلك إلى جانب إدانة الخطوات الإسرائيلية الأحادية التى تستهدف تغيير الحقائق على الأرض من خلال التوسعات الاستيطانية، وذلك كلام طيب، ليس فيه حرف واحد جديد، لكن الجديد أنه يتناقض مع الحاصل على الأرض. فرئيس الوزراء الإسرائيلى الذى يرفض التفاوض مع الفلسطينيين يريد أن يبدأ بما أسماه «التسوية الإقليمية» التى دعا إليها، وأيدها الرئيس الأمريكى الجديد. ثم إنه وكل الائتلاف الحاكم فى إسرائيل يرفض المبادرة العربية التى أعلنت القمة التمسك بها ويشترط تعديلها، إذ يعتبر الجميع أن العودة إلى خطوط الرابع من يونيو ١٩٦٧ لم تعد واردة، بل صارت تاريخا لا مجال للحديث فيه، فضلا عن أنهم أضافوا شرط الاعتراف بيهودية الدولة. والمتواتر الآن فى الصحافة الإسرائيلية أن الاتصالات الجارية لم تبدأ إلا بعد الاتفاق على تعديل المبادرة بحيث تلبى ما يريده الإسرائيليون ولكن بصياغات جديدة تحقق المراد دون أن تصدم المواطن العربى. وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد أحمد أبوالغيط قد تحدث صراحة عن ذلك بل قال إن هناك مشروعا فلسطينيا جديدا للحل فى حواره الذى نشرته جريدة «الشرق الأوسط» يوم ٢٣ مارس الماضى. وما عاد سرا أن اجتماع العقبة السرى الذى عقد قبل عام ناقش تلك الأفكار التى لا علاقة لها بالبيان الرسمى الذى أعلن. ومعروف أن الرئيس السيسى حضره وشارك فيه نتنياهو والملك عبدالله وجون كيرى وزير الخارجية الأمريكى فى حينه.
من ناحية أخرى فإن حل الدولتين الذى يتحدث عنه الجميع جرى نسفه بالخطوات التى كان آخرها قرار الحكومة الإسرائيلية الذى أجاز المشروع الاستيطانى الذى يربط القدس بمستوطنة «معاليه أدوميم» الواقعة شمال شرق المدينة المقدسة. ولا ينسى فى هذا الصدد أن مصر كانت من قدم قرار إدانة المستوطنات إلى مجلس الأمن باسم المجموعة العربية، ثم سحبته بعد ذلك. وإن اضطرت إلى التصويت لصالحه حين أصرت دول أخرى على تقديمه.
فضلا عما سبق فإن أكثر ما يبعث على الحيرة والقلق أن يعول العرب على دور للإدارة الأمريكية الجديدة فى الموضوع، فى حين أن الجميع يعلمون أن ثمة تطابقا فى المواقف والمعتقدات بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.
أختم بملاحظتين تتعلقان ببيان القمة الأولى من وحى إبراز الصحف السعودية للنقطة الخاصة بالتشديد على رفض التدخلات الخارجية فى الشأن العربى، الذى أؤيده بشدة لكنى أتحفظ فقط على أن يكون المقصود به التدخلات الإيرانية وحدها، والسكوت على الدور الروسى فى سوريا والأمريكى فى العراق.
الملاحظة الثانية تتعلق بالاستياء الذى عبر عنه البيان إزاء الاضطهاد الذى تتعرض له أقلية الروهينجا المسلمة فى ميانمار، وهو أيضا مما أؤيده بشدة، لكنى أستغرب السكوت على المجاعة التى ضربت اليمن وهددت حياة مئات الألوف من أبنائه وأطفاله: لا أعرف من نصدق بيان مؤتمر القمة أم الشائعات المتواترة التى خرجت من مؤتمر العقبة السرى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف