سماح صبرى
جرائم العنف والتطرف وجهاز الشرطة
تسجل معدلات العنف في العالم ارتفاعا ملحوظا خلال الأعوام القليلة الماضية. واعتادت العين على قراءة خبر أو أكثر يوميا عن العنف في مجتمعنا المصري كذلك. ورغم أنها ليست ظاهرة حديثة لكن خطرها الحالي يكمن في مدي القسوة، والاستمرارية، والأدوات المستحدثة المستخدمة، وعمر الضحية، وقرب الجاني والمجني عليه من بعضهما البعض. فليس بجديد أن يتعارك الجيران والأزواج والأخوات والزملاء، بينما المثير للاهتمام الآن غياب العقل عند الخلاف حد استمرار التهديد والتعذيب لفترات طويلة بدون مراجعة النفس، وكذلك الحرق والذبح وقطع اليد وقتل الأبناء، مع صمت الشهود عن الدفاع وقول الحق خوفا من بطش الجاني وبلطجة القاتل. ومن الملاحظ أن غالبية أفراد المجتمع لم تعد تجدي معهم خطب الجمعة ومناهج التعليم ومباديء التربية الأسرية وعادات المجتمع وإرشادات المدرسة، كما فقد العديد من المشايخ مصداقيتهم لدى الشعب لأسباب عدة أو انخفض تأثيرهم نتيجة انشغال الشباب بوسائل الاتصال الحديثة. وكما فسر أطباء الأمراض النفسية وخبراء علم النفس فإن ظاهرة العنف الأُسَري والمجتمعي انعكاسا لأمراض نفسية مثل الاكتئاب الحاد والاضطرابات النفسية. ومن هنا أري أن المجتمع في أمس الحاجة إلى الرقابة بشكل فوري وسريع لتوفير الأمان، وذلك إلى حين علاج أسباب العنف والتطرف. كما يحتاج المجتمع إلى إبراز شخصيات ذات سمات أخلاقية إيجابية لتكن قدوة حسنة للشباب بعد أن غابت عن الأسر المصرية والإعلام والمدارس والنوادي والأحياء تلك السمات نتيجة الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على أفراد المجتمع وتغير السلوكيات والعادات. ولستُ من مؤيدي الرأي الذين يبررون أن العنف سببه الفقر والجهل، فليس الفقير المتطلع إلى المال هو فاقد العقل والسيطرة على أفعاله ليحقق أحلامه، إنما عبيد المال ومتطرفي الفكر والسلوك هم الذين يفقدون القدرة على التميز والتصرف واستخدام العقل بشكل إيجابي وذلك نتيجة الجشع وحب التملك والسيطرة والتفاخر وجموح تطلعاتهم. كما أن الجهل ليس حجة، فلم تعد فئة عمرية أو منطقة سكنية أو طائفة في المجتمع دون غيرها تحتكر العنف، بل يلاحظ أن أطياف المجتمع باختلاف المؤهل والعمر ومكان السكن فضلا عن المستوى المادي والاجتماعي انتشر بينهم العنف الأسري والمجتمعي. ولنتذكر أجدادنا وأسلافهم، فالبرغم من قلة الإمكانيات وندرة التعليم كانوا عظماء السيرة وأصحاب مباديء ولديهم وعى بالفطرة على التميز بين الخطأ والصواب، والواجب المباح والممنوع المرفوض. وكان ذوي السلوك الشاذ قديما يجدون ألف عين تراقبهم ولسان ينصحهم ورجال تردعهم، ولم تكن التبريرات السخيفة والحجج الواهية لها من يساندها ويدعمها آنذاك. أما الآن، فخراب الذمم وتدمير الفطرة وغياب المنطق وموت المشاعر باتت أمورا جلية وخطيرة للغاية بسبب التطرف وغياب الرقابة والجزاء العادل. وحتى لا يظن الغالبية أن تزايد العنف مقترن بمجتمعنا المصري فقط، أود أن أشير - على سبيل المثال - إلى نسبة عدد جرائم العنف الأسري قد ارتفعت خلال عامين بنسبة ٢٣٪ و ٤٧٪ في مدينتي شمال وجنوب ويلز البريطانية على التوالي، وبلغ معدل الجريمة هناك سنويا نحو ١٠ آلاف، على الرغم من قوة التشريعات ضد العنف وتنفيذها، بالإضافة إلى حملات التوعية والإرشاد والتثقيف. أما في الولايات المتحدة وحسب ما نُشِر، فهناك حوالي ١٥.٥ ألف جريمة قتل سنويا و٩٠ ألف جريمة تحرش. وأكثر من ٣٠٠ ألف جريمة سطو منزلي وسرقة ممتلكات في عام ٢٠١٥ بقيمة خسائر تقدر بنحو ٤٠٠ مليون دولار، بالإضافة إلى سرقة الممتلكات العامة والسيارات والإلكترونيات والتي قدرت خسائرها بحوالي ١٤ مليار دولار.
لذا أراه من المفيد أن أستعرض تجربة الإكوادور الناجحة في محاربة الجريمة والتى انخفضت من ٢٢٪ عام ٢٠١١ إلى ٨.٣٪ عام ٢٠١٤ حيث استهدفت الدولة القضاء على العنف وخفض معدلات الجرائم خاصة العنف الأُسري. وكان المفتاح الأول لنجاح الاستراتيجية هو مؤسسة الشرطة التي لعبت الدور الرئيسي في الحفاظ على الأمن ومحاربة الجرائم، حيث تحولت من منهج الشرطة العسكرية إلى شرطة مدنية ومجتمعية. وكانت زيادة الميزانية المخصصة للإنفاق على الأمن عنصرا مباشرا في الاستراتيجية الجديدة، حيث تم إنفاق ٨٣ مليون دولار في عشر وحدات شرطية جديدة تضم كل منها ما بين ١٦ و ٢٢ ضابط شرطة. بالإضافة إلى تثبيت أكثر من مليون زر للطوارئ في الأماكن العامة والشركات، وانتشرت سيارات الشرطة في الأماكن العامة والحيوية وتزودت بالكاميرات وأنظمة الاتصال الحديثة. أيضا قام المختصون بعقد دورات تثقيفية وتوعية مع قادة الحكم المحلي في الأحياء لتحسين وسائل أمن المواطنين. فضلا عن إنفاق ١٠٠ مليون دولار على تدريب رجال الشرطة وتأهيلهم نفسيا وبدنيا وعمليا للتعامل مع المواطنين، كما تم انتشارهم في الشوارع سيرًا على الأقدام. وليكن هذا النموذج كمثال أحد حلولنا السريعة المقترحة للقضاء على العنف في الشارع المصري، حيث العمل على رفع كفاءة أداء أفراد جهاز الشرطة والتحام رجاله بالمواطنين في الشوارع، وتزويد الأحياء بكاميرات المراقبة وأزرار الطواريء في الأماكن العامة للإبلاغ الفوري والمراقبة للحد من سرقة المحلات والسيارات والخطف والتحرش والقتل، مع ضرورة تنفيذ القانون دون تهاون مع المجرمين، وضمان عمل رجال الشرطة بشفافية وتدريبهم وحمايتهم من أهالي وعائلات البلطجية والقتلة والسارقين، دون الإخلال بمبدأ الثواب والعقاب. ولا يغيب عن أحدنا أن هيبة أفراد الأمن ورجال الشرطة في الشارع تشتق من أمانته إلى جانب قوة القانون وعدالة التحقيق وسرعة التنفيذ. هذا لا يقلل من شأن وأهمية وضرورة توفير الأمان الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين، وتحسين مستوى معيشتهم، للقضاء على أمراض التوتر والقلق والاكتئاب وجميع الصراعات والاضطرابات النفسية الأخرى للأفراد، لكن إلى أن يحدث ذلك نحتاج إلى تشريع عادل وقانون نافذ وجهاز رقابي واع بأقصى سرعة.