السيد هانى
مصر وأمريكا .. "1" سنوات الحب والهجر والخصام
في العلاقات العاطفية عبارة شهيرة تقول: "الحب قصة طويلة .. كثيرا ما تكتب فيها كلمة "تمت" قبل النهاية"..!
- نفس العبارة تنطبق أيضا علي العلاقات السياسية بين الدول.. والأمثلة علي ذلك لا حصر لها..
- من أبرز هذه الأمثلة: العلاقات المصرية الأمريكية.. التي شهدت علي مدي العقود الست الماضية كل حالات "الغزل" و"الحب" و"الهجر" و"الخصام" التي يعيشها المحبون.. لكن ظلت حسابات العلاقة بين الدولتين تقوم علي أساس أن كل منهما في حاجة الي الآخر.
- الغزل الأمريكي لمصر بدأ مع تولي الرئيس دوايت أيزنهاور السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية يوم 20 يناير 1953 كانت الحرب الباردة ذلك الوقت علي أشدها بين الشرق الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي. والغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة.. فأقام أيزنهاور استراتيجيته علي أساس تطويق الاتحاد السوفيتي بسلسلة من الأحلاف والقواعد العسكرية الأمريكية. وتعزيز هذه الإستراتيجية ببناء علاقات جيدة مع الدول العربية والضغط علي إسرائيل للانصياع الي القرارات الدولية.
- لذلك اتجه بنظره الي مصر باعتبارها أهم دول المنطقة.. وبدأ هو ووزير خارجيته جون فوستر دالاس يطلبان ود جمال عبد الناصر.. فأرسلا إليه عبر القنوات السرية اثنين من أفضل عملاء المخابرات المركزية الأمريكية هما: مايلز كوبلاند الذي أصبح حلقة الوصل بين عبد الناصر والإدارة الأمريكية بعد قيام ثورة 1952 وكيرمت روزفلت الذي كان رجل المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط.. والاثنان عقدا العديد من اللقاءات مع عبد الناصر الذي كان مهتما تلك الفترة بإقامة علاقات حسنة مع الولايات المتحدة.
* * *
هذا التوجه الجديد في السياسة الأمريكية أصاب الإسرائيليين بقلق كبير.. خاصة أنه اقترن برفض أيزنهاور بيع الأسلحة لإسرائيل . رغم أن هذا الرفض كان التزاما بقرار دولي بحظر تصدير الأسلحة الي الشرق الأوسط.
- القلق الإسرائيلي عبر عنه كل من يوسي ميلمان المحرر بصحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية. ودان رافيف مراسل شبكة تليفزيون "سي.بي.إس" الأمريكية في كتابهما: "أصدقاء بالفعل: طبيعة التحالف الأمريكي الإسرائيلي".. بالقول: "إن كل الدلائل كانت تشير الي أن الولايات المتحدة في عهد أيزنهاور. كانت في سبيلها الي انتهاج سياسة منصفة في الشرق الأوسط. وهو ما لم يكن في صالح إسرائيل.. ولقد صور أبا إيبان وزير خارجية إسرائيل سابقا بلاده بأنها مثل المتهم الذي أكد له القاضي أن المحكمة سوف تمنحه العدالة .. فأجاب المتهم : إن هذا ما يخيفني في الحقيقة. فأنا أبحث عن الرحمة"!
- السياسة المنصفة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. عبر عنها أيزنهاور بكلمات صريحة جدا. وجهها الي إسرائيل في أول عام لتوليه السلطة قال: "ينبغي علي الولايات المتحدة الأمريكية أن تعلن صراحة بأن إسرائيل لن تتلقي معاملة أفضل من أي دولة عربية أخري. لمجرد أن سكانها من اليهود.. إن سياستنا تجاه إسرائيل تقتصر علي مساعدتها علي أن تصبح دولة قادرة علي الاستمرار والعيش في تفاهم مع الدول العربية. وإن اهتمامنا برخاء كل دولة من الدول العربية يتساوي تماما مع اهتمامنا بإسرائيل"!
* * *
لكن محاولات أيزنهاور ودالاس طلب ود عبد الناصر لم تدم طويلا..!
- السبب هو أن عبد الناصر طلب في عام 1954 شراء أسلحة من الولايات المتحدة للرد علي الهجمات التي تشنها إسرائيل علي قطاع غزة.. فرفضت إدارة أيزنهاور. وذكرته بقرار حظر تصدير الأسلحة الي الشرق الأوسط.. فانزعج عبد الناصر.. لكنه كرر الطلب مرة أخري في فبراير 1955 فسمع نفس الرد!
- لم يكن الاتحاد السوفيتي بعيداً عما يجري.
- كان هو الآخر يسعي الي كسب ود عبد الناصر. ومد نفوذه الي هذه المنطقة من العالم.. فعرض علي عبد الناصر تزويده بالأسلحة.
* يوم 4 سبتمبر 1955 أعلن جمال سالم نائب رئيس الوزراء المصري. أن مصر تلقت عرضا من الاتحاد السوفيتي ببيع صفقة أسلحة لها. وأن مصر ستقبل هذا العرض إذا لم يف الغرب بطلباتها من الأسلحة.
* يوم 27 سبتمبر 1955 أعلن جمال عبد الناصر أن مصر أبرمت صفقة أسلحة مع تشيكوسلوفاكيا مقابل قطن مصري.. قيمة هذه الصفقة 200 مليون دولار. وتشمل طائرات "ميج" ودبابات وغواصات ومدافع..
* أحدثت هذه الصفقة شرخا في العلاقات بين عبد الناصر والولايات المتحدة.. لاسيما أنها تمت في نفس العام الذي بدأ فيه نجم عبد الناصر يبزغ كزعيم للقومية العربية. مناهض للغرب والاستعمار. ومشارك رئيسي في تأسيس حركة الحياد الإيجابي بمؤتمر باندونج.. وفوق ذلك هجومه المستمر علي حلف بغداد. الذي كان حلقة في سلسلة الأحلاف العسكرية التي أنشأتها الولايات المتحدة لتطويق الاتحاد السوفيتي.
* رغم ذلك ظلت إدارة أيزنهاور علي سياستها المتوازنة في الشرق الأوسط.. وهذا حقيقة ما حدث بالتواريخ:
* يوم 26 أغسطس 1955 أي قبل حوالي شهرين من إبرام صفقة الأسلحة بين مصر وتشيكوسلوفاكيا ألقي وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس خطابا أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك. تحدث فيه عن الشروط الممكنة لتحقيق سلام عادل في الشرق الأوسط. معلنا أن الرئيس أيزنهاور سيتقدم بتوصية الي الكونجرس لتخصيص قرض لتعويض أو توطين أو إعادة اللاجئين الفلسطينيين الي ديارهم.. أضاف دالاس: "إن الرئيس أيزنهاور فوضني لأقول : إنه سيوصي بانضمام الولايات المتحدة الي ترتيبات معاهدة رسمية لمنع أي محاولة من أي جانب لتغيير الحدود بين إسرائيل وجيرانها العرب بالقوة".
* هذا الكلام لم يعجب إسرائيل.. لأنه تناول قضيتين من أخطر القضايا هما: عودة اللاجئين. ورسم الحدود..!! فاحتجت إسرائيل علي ذلك. لكن الإدارة الأمريكية لم تعبأ باحتجاجها.. بل صعدت موقفها من مرحلة الكلام الي مرحلة الفعل بأن ربطت بين الاستمرار في تقديم المعونة السنوية لإسرائيل. والتقدم في حل مشكلتي اللاجئين والحدود.
* يوم 9 نوفمبر 1955 أكد الرئيس أيزنهاور هذا الموقف في بيان رسمي . أصدره من فراش المرض بمستشفي في مدينة "دنفر".
* بيان أيزنهاور صدر بعد أكثر من شهر علي إعلان عبد الناصر عن صفقة الأسلحة مع تشيكوسلوفاكيا.. هذا يعني أن هذه الصفقة لم تؤثر قط علي الموقف المتوازن للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.. علي الرغم من إحساس أيزنهاور بالضيق من هذه الصفقة. وهو ما نراه واضحا في يومياته بتاريخ 8 مارس 1956 التي كتب فيها: "أصبح العرب أكثر غطرسة اعتمادا علي الأسلحة السوفيتية . ولم يعد لديهم مبالاة بالمصالح الغربية والأمريكية في الشرق الأوسط".
* أما القول بأن إدارة أيزنهاور ردت علي هذه الصفقة بسحب موافقتها علي تمويل بناء السد العالي.. فإن المسافة الزمنية بين الحدثين تضعف هذا الاحتمال.. ذلك لأن صفقة الأسلحة بين مصر وتشيكوسلوفاكيا تمت في سبتمبر 1955. وسحب الولايات المتحدة موافقتها علي تمويل بناء السد العالي تم في يوليو 1956 أي أن هناك 10 شهور فاصلة بين الحدثين.. علي عكس قرار عبد الناصر بتأميم قناة السويس الذي جاء بعد أسبوع واحد من الموقف الأمريكي بسحب تمويل السد العالي.
* * *
مثل شجرة الياسمين التي يصل إليك شذي عطرها قبل أن تراها.. كانت علاقتي بالمثقف الكبير الأستاذ طلعت الشايب ..!
- سمعت عنه.. وقرأت له.. قبل أن ألتقي به.
- لم يكن من نجوم برامج "التوك شو".. لكنه كان نجما ساطعا في سماء الثقافة العربية.. بكتبه التي أثرت المكتبات.. وتراجمه التي نقلت إلينا نفائس الثقافة والفكر والأدب العالمي.. لعل أبرزها كتاب "صراع الحضارات".
- ومثل حال النجوم الكبيرة .. كان يدور دائما في فلكه التابعون والمحبون والتلاميذ.
- لم أكن من جوقته.. لكني كنت من الراغبين فيها.
- لم ألتحق بمدرسته.. لكني كنت من المنتسبين إليها.
- التحية إليك أيها الراحل العظيم.. لقد أوجعت قلوبنا برحيلك الأبدي.. في لحظة مفاجئة وصادمة.. مؤثرة ككل لحظات الوداع..!
- رحلت عنا في لحظة شوق.. فلم نشبع منك بعد .
- عزاؤنا أنك رحلت وسط تلاميذك ومحبيك وأنت تحدثهم في صالون "التاورجي الثقافي" بدمياط.. كنت تبشرنا بغد أفضل.. كنت تقول: عليكم بالحب.. لتقهروا الدمامة والغطرسة والأحقاد..!
- سنظل نذكرك.. ونشتاق إليك..!!
- خالص العزاء للثقافة العربية.. ولتلاميذك ومحبيك.
- خالص العزاء لابنتك الأستاذة مني الشايب المذيعة بقناة "النيل للأخبار".. الفرع المتبقي من شجرة الياسمين للثقافة العربية..!