الأهرام
عزت ابراهيم
لقاء فى قاعة روزفلت!
واشنطن- قبل مائة وسبعة أعوام وقف الرئيس الأمريكى تيودور روزفلت مخاطبا المصريين فى جامعة القاهرة داعما لحقهم فى الاستقلال وتقرير مصيرهم بأيديهم فى مواجهة الاحتلال البريطانى وقال «إن تدريب أمة حتى تنجح فى الوفاء بواجبات الحكم الذاتى، ليست مسألة عقد او عقدين بل اجيال»، ثم اختتم كلمته وبلسان عربى «إن الله مع الصابرين.. إذا صبروا»! فى تلك الأيام وقبل أن تنخرط الولايات المتحدة فى السياسات العالمية وتغوص فى أوحال الشرق الأوسط- عن عمد- كان روزفلت يقدم النصيحة لمن يثور ويريد أن يبنى بلده ويريد أن يرفع من شأنها. بعد كل تلك السنوات يقف الرئيس عبد الفتاح السيسى اليوم مصافحا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى قاعة تحمل اسم «غرفة روزفلت»، وهى غرفة اجتماعات فى الجناح الغربى للبيت الأبيض، وتقع الغرفة تقريبا فى وسط الجناح بالقرب من المكتب البيضاوي، وسميت الغرفة تكريما لرئيسين أمريكيين هما ثيودور وفرانكلين روزفلت اللذين ساهما بشكل كبير فى تصميم وبناء الجناح الغربي. وربما يكون لسان حال الرئيس المصرى هو المقولة نفسها التى قالها الرئيس الأمريكى لجمهور جامعة القاهرة من المصريين والأجانب عن ضرورة التحلى بـ«الصبر» حتى يرى الكل نتيجة ما نزرعه داخليا، وأن يتمهل الخارج فى الحكم على ما يجرى على أرض مصر.

‎ لم أفاجأ من نوعية الحوارات والنقاشات الدائرة حول زيارة الرئيس السيسى لواشنطن ولقائه بالرئيس ترامب اليوم، ذلك أن الكثيرين مازالوا أسرى لأنماط تفكير وقوالب لا تتغير عن العلاقات مع الولايات المتحدة. على مدى نصف قرن، على الأقل، ينظر الى العلاقات بنظرة فوقية ترى الولايات المتحدة هى صاحبة الامر والنهي، ونحن لا نملك سوى الاصغاء والتصرف بناء على ما تقرره واشنطن ولم يلتفت كثيرون ممن يخوضون فى مجال التحليل السياسى والعلاقات الدولية الى أن معادلة الثمانينيات والتسعينيات قد تغيرت، وان طبيعة العلاقات الدولية قد طرأت عليها تفاعلات تصب فى صالح توزنات جديدة لا يكفى فيها سلطة “الإملاء” وحدها ولا تخضع لموازين الحرب الباردة التى أنهكت العالم النامي، واستنفدت قواه وكرست لأنظمة حكم أثقلت الأحمال على كاهل الشعوب قبل أن تحدث انفجارات شعبية متتالية فى آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية ثم اخيرا العالم العربي.

‎تحدثت فى الأيام الماضية مع عدد من خبراء السياسة ومسئولين سابقين فى أكثر من إدارة أمريكية عن جوهر العلاقات المصرية‫-‬الأمريكية، وليس فقط فى قدرة زيارة رئاسية للبيت الأبيض فى إحداث فارق فى العلاقات الثنائية‫.‬ فتعددت الإجابات منهم من قال إن الإدارة الحالية مختلفة عن التيار الذى حكم الولايات المتحدة على مدى عقود طويلة، وأن توجهات ترامب قد لا تمثل منظومة القيم والمبادئ التى تحكم السياسة الأمريكية، وبالتالى فتطوير شراكات سياسية واستراتيجية تخضع لما يراه ترامب نفسه‫.‬ ومنهم من قال إن العلاقة صارت ‫‬اكثر “تعقيدا”‬ عما كانت عليه فى الماضي‫-‬ وهى جملة جاءت على لسان المسئولين الأمريكيين فى الإيجاز الصحفى يوم الجمعة الماضى فى معرض حديثهم عن اللقاء بين ترامب والسيسي‫.‬ هناك فريق ثالث يرى استحالة أن تتطور العلاقات اعتمادا على دعم البيت الأبيض وحده للعلاقات الثنائية ويرون أن الكونجرس مازال يحمل الكثير من الأوراق بدليل وقوف أغلبية من الجمهوريين والديمقراطيين ضد قرارات مهمة مثل برنامج الرعاية الصحية للرئيس السابق باراك أوباما وتعطيل جناح آخر لمسألة إدارج جماعة الإخوان المسلمين المحظورة كجماعة إرهابية ‫.‬

‎التعويل على لقاء السيسى وترامب مسألة لا خلاف عليها، وبرنامج الزيارة يتضمن لقاءات متنوعة مع مسئولين ومشرعين ورجال أعمال، والجالية المصرية فى الولايات المتحدة، إلا أننا مما سمعنا يريد الأمريكيون أن نمضى بشكل جاد ومنتظم فى تنفيذ ما سوف يتم التوافق بشأنه حتى يمكن للبيت الأبيض أن يدعم برامج الإصلاح الاقتصادي، وأن يوجه طاقاته إلى التعاون المثمر فى أخطر ملف وهو ملف الحرب على جماعات الإرهاب التى قال متحدث أمريكى عنها إن ترامب يدعم طموح السيسى فى ‫تطوير نهج شامل لمكافحة الإرهاب، والذى يتضمن جهودا عسكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية‫.‬

‎النهج الشامل‫-‬ حسب مصادر أمريكية‫-‬ لابد أن يتبلور من خلال مزيد من المناقشات والقنوات المفتوحة بين الطرفين‫ مدعوما بما قاله الدكتور وليد فارس- المقرب من إدارة ترامب-‬ من أن هناك شعورا سائدا فى واشنطن بضرورة ان ينتقل الدور المصرى فى المنطقة الى مرحلة أقوى وأكثر تأثيرا، ولا سيما فى موضوع مواجهة الارهاب، فمصر كدولة تواجه داعش والمجموعات المتطرفة الاخرى، فى سيناء ومناطق اخرى وهناك خطر ارهابى متطرف يأتى من ليبيا، وبالتالى الامن القومى المصرى مهم بالنسبة للامن القومى الامريكى، لان مصر تتحكم بالممر ما بين البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر وكما نعلم هناك بعض الأخطار التى تهدد الممرات المائية كما يحصل فى باب المندب فى اليمن ومضيق هرمز، وبالتالى فإن أمريكا تضع على اكتاف المصريين مسئولية اكبر تتعلق بشمال البحر الاحمر‫”‬. الصراحة فى المواقف الأمريكية تكتسب هذه المرة لغة مختلفة، فهى تتحدث عما ستحصل عليه فى مقابل ما سوف تقدمه وهو منطق لغة المال والأعمال الذى يجيدها ترامب تماماً وهو منهج يحتاج إلى كفاءة وقدرة عالية فى المتابعة والتقييم والتعديل وفقاً لآخر المستجدات‫.‬

‎هناك ملفات كثيرة مفتوحة فى مرحلة ما بعد الزيارة أهمها مسألة الموقف من تصنيف جماعة الإخوان أو فى المدى القصير والمتوسط التعاون من أجل تعديل المفاهيم المغلوطة عن علاقة التنظيم بالأنشطة الإرهابية وهى من الملفات التى يتعين إحراز تقدم فيها فى عهد رئيس أمريكى يناصب الجماعة وفروعها العداء الواضح فى سابقة لم تحدث من قبل فى تاريخ الرئاسات الأمريكية،‫ والأمر الآخر أن يكون وضوح الرؤية الاقتصادية سابقا على الرغبة فى تشجيع الاستثمار، وتلك مسألة مثار أسئلة متنوعة وفى أحيان كثيرة يصعب الإجابة عليها واعتقادى أننا لو نجحنا فى الإجابة عليها سنكون قد قطعنا شوطاً كبيرا فى سبيل التقارب الإيجابى مع الولايات المتحدة. ‬
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف