وجدى زين الدين
حكاوى .. علو كعب الشايب فى الترجمة
يرحم الله المترجم العظيم طلعت الشايب الذى وافته المنية يوم «الجمعة» الماضى خلال ندوة فى مدينة دمياط. كان الراحل الكريم من أبرع المترجمين الذين قدموا كنوزاً للمكتبة العربية، وللدولة المصرية من خلال ترجمات كثيرة تم تكليفه بها، لقد رحل طلعت الشايب فى مصر دون ضجيج كما عاش حياته دون أضواء والبعد عن الشهرة، أو الشو الإعلامى. لقد برع «الشايب» فى ترجماته الكثيرة التى نقلها الى العربية وأبرزها على الإطلاق «صراع الحضارات».
أسعدنى القدر بلقاء «الشايب» مرة واحدة فى مطار إسطنبول، عندما كنت متوجهاً إلى «الماتا» فى كازخستان عام 2001 لحضور مؤتمر لمنظمة التعاون الإسلامى، وكان الشايب على رأس مجموعة من المترجمين المصريين، وقد وجدت ونحن فى انتظار الطائرة التى ستقلع الى كازخستان حفاوة بالغة من المصريين الذين كانوا بصحبته وكانوا كوكبة من المترجمين الذين سيقومون بنقل وقائع المؤتمر الإسلامى.
وبدأت أتعرف إلى هذه الشخصية الرائعة التى كان التواضع سمة بارزة تعلوه و«الشايب» ليس كأى مترجم، إنما كان واحداً من المترجمين القلائل الذين يتمتعون بثقافة عالية، مكنته من نقل الكثير من الكتب الغربية لمؤلفين عظام إلى المكتبة العربية، وقد اشتهر بين المترجمين بسعة اطلاعه وعلو كعبه فى الثقافة، ولم يكن فى يوم من الأيام يجرى وراء شهرة إعلامية أو خلافه، بل ظل منكباً على الاطلاع على الثقافات الغربية، وينقل عنها الكثير الى المكتبة العربية.
«الشايب» يذكرنى بكبار المفكرين المصريين الذين نقلوا عن الغرب كثيراً والذين تشكلت بهم حركة الفكر، أمثال عباس محمود العقاد والذى كان ذا باع طويل فى الاطلاع على الأدب الإنجليزى، والرائع فى الفقيد الراحل الذى استفادت منه الدولة كثيراً من خلال الاستعانة به فى أمور شتى، أنه كان رافضاً الظهور الإعلامى أو استغلال وسائل الإعلام فى تحقيق شهرة أو مجد، رغم الأعمال العظيمة التى قام بها، والأروع أيضاً أنه كان لآخر لحظة يعمل فى صمت حتى فاضت روحه الى بارئها وهو يلقى محاضرة فى ندوة يوم الجمعة بدمياط.
ستظل تذكر المكتبة العربية لـ«الشايب» أعماله العظيمة التى قام بترجمتها، ولقد فقدت البلاد علماً من أعلامها فى هذا المجال وسنظل يساورنا الحزن كلما قرأنا الأعمال التى ترجمها ونترحم عليه حتى تقوم الساعة.. يرحم الله الشايب ويدخله فسيح الجنات، ويلهم أهله ومحبيه وتلاميذه الصبر والسلوان.