صدام السلطات في مصر بات وشيكا، في البداية حاولت السلطة التنفيذية بكل قوتها السيطرة علي السلطة التشريعية بصياغة قانون غير مَرضيٍّ عنه من القوى السياسية، ولم يعد خافيًا على أحد أن الانتخابات أُديرت من غرف أحد الأجهزة السيادية، طبقا لتصريحات حازم عبد العظيم، التي لم يستطع أن ينفيها أحد، فقد ذكر الأشخاص والأسماء والمكان، ومن يدير، وجاء أداء البرلمان ليثبت المثبَت ويؤكد المؤكَّد، في أداء لم يقترفه برلمان من قبل بهذه الطريقة، فقد كانت الأمور تدار بطرق أكثر شياكة واحترافية ولباقة، وكانت تترك مساحة للمعارضة، ولا ننسى زكريا عزمي، عرَّاب النظام السابق ورئيس الديوان وهو ينتفض ليقول: فساد المحليات وصل للركب، ولا ننسي صولات وجولات البدري فرغلي وأبو العز الحريري وقبلهم ممتاز نصار وغيرهم من قادة المعارضة، وكيف كانت رئاسة البرلمان رصينة وحصيفة من أمثال فتحي سرور أو رفعت المحجوب. وأصبح من المعلوم بالمشاهدة والمعاينة أن البرلمان الحالي أصبح تابعا للسلطة التنفيذية بابتذال، والسلطتان التشريعية والتنفيذية تابعتان لجهاز سيادي ما، ودائرة ضيقة حول الرئيس تدير الأمر برمته. الآن الصدام قائم مع السلطة القضائية وعلى أشده وكان على خلفية قضية تيران وصنافير التي وجهت ضربة قاصمة للسلطة التنفيذية، أحرجتها أمام السعودية وأحرجتها أمام جمهور الشعب المصري، وأظهرتها فى شكل المفرِّط في الأرض، وأضرَّت بمعركتها مع نقابة الصحفيين، والتي كان موضوعها الأساسي مظاهرات الأرض. والصدام أصبح مفضوحا وغير قابل للمداراة والتعمية. أليس من غير المقبول استخدام فكرة العصا والجزرة أو سيف المعز وذهبه مع القضاة؟! اثنان من نواب دعم النظام المسمى بـ«دعم مصر»، واحد قال نرفع سن المعاش للقضاة إلى 72 سنة، مصطفى بكري، وبعد رفض القضاة لقانون السلطة القضائية الذي يتيح للرئيس الاختيار من ضمن عدد من القضاة، رؤساء الهيئات القضائية، جاء النائب الآخر، محمد أبو حامد، ليتحدث عن التخفيض إلى 65 سنة، ولاحقا إلى 60 سنة بعد خمس سنوات. من العيب على مصر أن يصدر قانون يشتهر بأنه "قانون تهاني" في وقت الإخوان، عندما أرادوا التخلص من تهاني الجبالي، لعداء شخصي قام بين المستشارة والجماعة، فأصدروا قانونا للمحكمة الدستورية تفصيلا ليتم استبعاد تهاني الجبالي ليطلق عليه قانون تهاني. وتصدر الدولة الحالية قانونا، أرادت أو أبت، سيطلق عليه قانون الدكروري، وسيلتصق اسم المستشار الدكروري بحكمه التاريخي في قضية تيران وصنافير وأن مصريتها أمر مقطوع به، وأن هذا القانون سيلتصق تاريخيا بالحكم، بما يرفع من تاريخية الحكم، وعار سيلحق بالنظام المصري، وسوف يدرَّس في الجامعات الحقوقية المصرية لاحقا، كأسوأ صورة لاستبداد السلطة التنفيذية وانحراف السلطة التشريعية. وأرادت السلطة التشريعية أن تدب الفرقة بين القضاة، لأنه من الطبيعي أن كثيرا من شباب القضاة سيستفيد من تراجع سن المعاش، بحيث ستصبح فرصهم أعلى في اعتلاء المناصب العليا.
ولكنهم لا يدرون أن تطبيق هذا الأمر بأثر رجعي غير دستوري، وقد صدر حكم مماثل يخص الجامعات المصرية للأساتذة المتفرغين بعد السبعين واستبعادهم، وقد أخذ القانون عدم دستورية وتطبيقه بأثر رجعي، بمعنى أن من استفاد من القانون السابق واستقر وضعه القانوني لا يجوز تطبيق القانون الحالي عليه، ولكنه يطبق على من لم يصل بعد إلى هذه السن. البلد سيدخل في أتون صدام محتدم بين السلطات، آثاره وخيمة على المجتمع وعلى استقرار النظام نفسه. ولا ننسى أن السلطة القضائية -في حالة مواءمة سياسية معتبرة وفي ظل حالة سيولة وإرهاب في الشارع- توافقت بإعطاء مدد على ذمة القضية أو أحكام ابتدائية شابها العوار، ونقضت في المراحل اللاحقة للقضاء لتمرير مرحلة انتقالية صعبة. هم الآن في حِلٍّ من تلك المواءمات، وأصبح أمام الأجهزة الشرطية استحقاقات جديدة، بتقديم محاضر مكتملة الأركان، لم يعتادوا عليها بعدُ، في ظل حالة ارتخاء مرت بالأجهزة الأمنية على مدار أربعة عقود متتالية من ثلاثة عقود طوارئ لحالة ثورة ومراحل انتقالية، لها اعتبارات ومواءمات. تحجج الرئاسة بأنها لا تتدخل في أمر السلطة التشريعية لا محل له من الإعراب، فالكل يعرف أن البرلمان لا يخالف رغبات الرئيس، ولا يخالف تعليمات الأجهزة التي تديره. ولا مجال لفهم أن القوانين التي تخرج للعلن من النواب بعيدة عن رغبات الأجهزة والسلطة التنفيذية، وبخاصة عندما تكون خارجة من تيار الموالاة الكبير داخل البرلمان الذي قفز على كل الأحزاب وحطمها لصالح كيان هو إعادة لإنتاج الحزب الوطني، بصورة أكثر رداءة وأقل كفاءة، وخاصة عندما يخرج رأيان متعارضان تماما من نفس التيار، وهو مد سن المعاش إلى 72 سنة، وخفضه إلى 65 سنة ثم إلى 60 سنة، بين لحظة وضحاها بعد رفض القضاة للقانون المقدَّم. ولا ننسى أن القضاء لديه ملفات كثيرة ملغَّمة مثل دستورية كثير من القوانين وشرعية البرلمان نفسه، وقضية قانونية عزل هشام جنينة، وآلاف القضايا ضد الإخوان في المراحل الثانية والثالثة للتقاضي. أعتقد أن على البرلمان الاهتمام أكثر بهموم المواطنين، ومتابعة الصحة والتعليم والأسعار والأجور المتدهورة، وأحوال المواطنين الغاضبين بشكل عام من البرلمان والحكومة، وغير منشغلين بتلك الصراعات، ولا يرونها إلا عبثا وبعدا عن مشكلاتهم الحقيقية، وربما يلقنون هذا البرلمان والسلطة التنفيذية درسًا ربما يكون مؤلما في الفترات القادمة.