المصريون
جمال سلطان
من الذي أوقع السيسي في الفخ ؟!
في الشأن القضائي لا يمكن أن نتجاهل أن هناك مشاكل في مؤسسة العدالة تحتاج إلى إصلاح ، وهذا ما يقوله أبناء المؤسسة أنفسهم من شيوخ القضاء ، وبدون شك فإن هذه المشاكل أو ذلك الخلل ينتج عنه ثمرات لا نقبلها ولا نرتضيها ولا تعطي صورة إيجابية وجيدة للقضاء المصري في العالم ، ومعظم تلك المشكلات تعود إلى الهيكلة الإدارية التي تؤثر في الأحكام القضائية في النهاية ، على النحو الذي جرى في تشكيل محاكم الإرهاب بعد أحداث 3 يوليو بتوقيع "الفنان المحترف" المستشار عدلي منصور ، فأنتجت لنا محاكم تقضي بإعدام خمسمائة مواطن في جلسة واحدة مما هيج العالم على القضاء المصري كله ، وأحكام أخرى بالإعدام على موتى وعلى أطفال .
لكن العمل على إصلاح المنظومة القضائية لوجه الله ثم الوطن ومصالح العباد وميزان العدالة العمياء شيء ، وتفصيل تعديلات قانونية لوجه السلطة التنفيذية وإضرارا بمصالح العباد وميزان العدالة شيء آخر ، وهذا ما نحن بصدده الآن فيما يقتحمه برلمان الدكتور عبد العال ، الذي "يفصل" تعديلا تشريعيا لمنح الرئيس عبد الفتاح السيسي الحق في الهيمنة على أخطر منصب في مؤسسة العدالة ، منصب رؤساء الهيئات القضائية كافة ، بحيث يصبح بيد الرئيس ـ وحده ـ مقاليد التوجيه والاختيار والمن والعقاب لرؤوس القضاء ، وفي النهاية يكون بيده مقاليد توجيه دفة الأمور داخل مؤسسات العدالة وضرب بعضها ببعض وتقديم الموالين له والمنفذين لتوجيهاته ومعاقبة من لا يركع .
مشروع القانون الجديد ليس تطوعا من أعضاء البرلمان بطبيعة الحال ، الجميع يعرف ذلك ، كما أن المصريين يعرفون جيدا أن رئيس الجمهورية ليس في غفلة عما يدور حوله ، وخاصة في قضية بالغة الخطورة على هذا النحو ، وبالتالي فالرأي العام يفهم جيدا أن هذا القانون إما بتوجيه مباشر منه أو من الدائرة اللصيفة به أو على الأقل برضا شخصي منه ، لأنه لو ألمح ، مجرد إلماح ، إلى عدم رضاه ، فإن أحدا في البرلمان لن يجرؤ على أن يتحدث فيه مرة أخرى .
المشكلة الآن أن الذين أقنعوا السيسي بطرح هذا المشروع أوقعوه في فخ حقيقي ، لأنه أصبح في مواجهة مفتوحة مع السلطة القضائية ، كما أن الصدام وقع بين السلطتين ، التشريعية والقضائية ، وهو أصبح مطالبا بحسم موقف الرئاسة ، إما بالتصديق على القانون وبالتالي تصبح المواجهة حصرية ومباشرة بين مؤسسة الرئاسة وبين الجماعة القضائية بكل فروعها ، وهو صدام خطير ، ويخبرنا التاريخ بأن أي رئيس دخل فيه خسر وانتهى لكارثة ، وإما أن يتراجع عن القانون ، وفي هذه الحالة سيظهر بمظهر الرئيس المتردد أو الضعيف أمام مؤسسات الدولة الأخرى ، مما يطمع فيه المزيد من المؤسسات ، خاصة التي تمثل أركانا للسلطة الآن في تلك الظروف .
أنا لا أعرف كيف سيخرج السيسي من ذلك الفخ ، لأن أي خطوة فيه ، للأمام أو للخلف ، مجازفة خطيرة وعواقبها سيئة للغاية ، فإذا تقدم فقد دخل في معركة غير مأمونة العواقب وتكاليفها باهظة ، في الوقت الذي يعيش نظامه أوقاتا قلقلة على مختلف الأصعدة ، السياسية والاقتصادية والأمنية ، وإذا تراجع فقد خسر ما تبقى له من رصيد سياسي يظهره بمظهر "الرئيس الدكر" الذي طالما تغنى أصحابه به ، كما سيربكه ويربك برلمانه أمام أي محاولات أخرى لترويض مؤسسات أخرى في الدولة .
هي ورطة ، أو فخ ، نصبه له من نصحوه بتلك الخطوة ، والتي يتردد أنهم تعجلوا بها لمنع قضاة بعينهم من تولي رئاسة مجلس الدولة ، بعد الأزمة الأخيرة في قضية تيران وصنافير ، ولو صح ذلك لكان مستوى آخر من المهانة ومحدودية الأفق في إدارة شئون الدولة .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف