رغم ان الضجة الإعلامية التي صاحبت الجرائم الثلاثة الأسبوع الماضي كانت واسعة وشاملة وغطت أصداؤها عموم بر مصر إلا اننا فوجئنا بانقطاع أخبارها فجأة.. وكأنها مجرد حوادث عادية مرت وانتهت.. لم نعرف هل تم القبض علي العصابات التي قامت بهذه الجرائم.. وكيف تم التصرف فيها قانونياً.. وماذا حدث مع الضحايا المجني عليهم وأسرهم.
الجرائم الثلاثة كانت ثقيلة علي الضمير الوطني المصري.. فقد اختلط فيها الجهل الديني مع الإرهاب مع الاستهتار بالقانون وتشويه الوحدة الوطنية والاعتداء علي سلطة الدولة وأستلابها.. ولذلك كان لابد من الوضوح والتعامل بشفافية تامة معها.. حتي يعرف المصريون ان الدولة تقوم بواجبها في حماية أبنائها ومجتمعها.
لم تكن جرائم عادية.. ففي الشرابية قامت مجموعة من الشباب بقطع يد شاب بالسيف بعد أن اتهموا أخاه بسرقة هاتف محمول.. ولما لم يجدوا أخاه قاموا باقتحام البيت وزعموا انهم ينفذون حد السرقة في أخيه أمام المارة والمطلين من النوافذ الذين سمعوا التكبير والتهليل من هؤلاء المجرمين المهاويس.
وفي شمال سيناء بث تنظيم داعش فيديو لعملية ذبح رجلين اتهمهما التنظيم بممارسة السحر والشعوذة.. وأعلن انه يطبق فيهما شرع الله.
وفي قرية المهيدات بصعيد مصر حاصر مجموعة من الشباب منزل أسرة مسيحية للمطالبة بالكشف عن مكان ابنتها التي قالوا انها أسلمت وتزوجت من أحدهم.
ولخطورة الواقعة الأولي اشتعلت الصحف والفضائيات بالتخويف من وصول الدواعش إلي قلب القاهرة.. وتطبيقهم حد السرقة وسط صمت المواطنين.. وذلك علي الرغم من إعلان أجهزة الأمن بأن الأمر لم يكن علي هذا النحو.. وان الجريمة جنائية تماما.. ولم يكن فيها تطبيق للحد ولا تكبير ولا تهليل.. مجرد اشتباكات عادية بين مواطنين بالأسلحة البيضاء أدت إلي قطع كف أحد الشباب الذي تم تحويله إلي مستشفي معهد ناصر لإجراء عملية لإعادة زرع هذا الكف بنسبة نجاح لا تتجاوز 5%.
هناك فرق بالتأكيد بين المشاجرة العادية التي يمكن أن تقع هنا وهناك وبين تحميل الجريمة بشعارات داعشية أو سلفية.. لكن في كل الأحوال كانت الجريمة شكلاً مهيناً من أشكال الخروج علي القانون.. وجزءاً من ظاهرة متنامية في المجتمع يأخذ فيها الأفراد القانون في أيديهم ويطبقونه بأنفسهم.. وهذا مكمن الخطر.
وفي فيديو داعش يظهر رجل يتلو ما قال انه حكم محكمة شرعية بإدانة رجلين ومعاقبتهما بالقتل ردة لممارستهما الكهانة وادعاء علم الغيب ودعوة الناس للشرك.. وقد كان واجباً أن تجري متابعة دقيقة لهذه الصورة المخيفة لكي نعرف أين هذه المحكمة الشرعية المزعومة.. هل هي حقيقة أم ادعاء كاذب للإيحاء بأن داعش صارت له أجهزة ومؤسسات قضائية في شمال سيناء.. وأين أسر الشخصين اللذين تم تنفيذ الحكم فيهما.. وكيف وصل إليهما التنظيم الإرهابي؟!
أما في حادثة الفتنة الطائفية بقرية المهيدات بالأقصر فقد نجحت لجنتا مجلس النواب والمصالحات في إنهاء الأزمة بين المسلمين والمسيحيين.. وقد عقدت هذه اللجنة بمشاركة نجل شقيق شيخ الأزهر وإقامة حفل غداء جماعي وأصدرت بياناً للمصالحة تضمن تشكيل لجنة من مسلمي القرية لحماية منازل وممتلكات الأقباط والمطالبة بالإفراج عن المحتجزين علي ذمة التحقيقات في الاشتباكات التي وقعت بين الشرطة ومتظاهرين مسلمين بالقرية.
لكن.. هل هذا يكفي؟!
البيان بهذا الشكل لم يقل شيئاً يتعلق بأصل المشكلة.. هل كانت هناك فتاة اسمها أميرة جرجس أسلمت فعلاً أم لا.. وهل هناك شاب مسلم تزوجها أم لا.. وهل فعلاً قام أهل أميرة باختطافها من زوجها أم ان كل هذه مزاعم وشائعات متعمدة لتهديد الوحدة الوطنية؟!
كم من الجرائم ترتكب باسم الله وباسم الشريعة.
وكم من الجرائم ترتكب باسم الوطنية بإثارة المشاعر والتهويل الذي لا داعي له.
ولم يعد السكوت علي انتهاك القانون عملاً جيداً.. لابد من معالجة أصل الداء حتي لا تتكرر الكوارث.. والمعالجة لا تكون إلا بالقانون.