من بين الوعود التى قطعها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن يعلن جماعة «الإخوان المسلمين» جماعة إرهابية، ومع وجود مشروع قانون بهذا الشأن أمام الكونجرس لم يكن متوقعا أن يطول أمد مثل هذا القرار. صحيح أن بعض الوعود التى حاول الرئيس إنفاذها بمراسيم رئاسية أو عبر الكونجرس لاقت اعتراضات وعراقيل، إلا أن قرار حظر الإخوان لم يكن ليواجه بمثل تلك العقبات. ورغم عدم وجود تصريحات رسمية، إلا أن صحيفة واشنطن تايمز نقلت عن مصادر فى الخارجية الأمريكية أن البيت الأبيض أرجأ قرار حظر الإخوان حتى إشعار آخر. وسردت تلك المصادر للصحيفة، التى يبدو من صياغة الخبر أن لها علاقة بالعمل على تأجيل القرار، السبب فى التأجيل وهو الجدل الدائر بشأن هذه المسألة مع تشعب وجود الإخوان فى الساحة السياسية بدرجة أو بأخرى فى المغرب وتونس والأردن وغيرها من بلدان الشرق الأوسط. حتى إن مصدرا أخبر الصحيفة أن من أسباب تأجيل القرار أن مسئولين أردنيين ضغطوا كى لا يتم حظر الإخوان بينما لديهم 16 نائبا فى البرلمان الأردني. وتبنت الخارجية الأمريكية موقف الرافض للحظر عبر مذكرة لها أسهبت فى الحجج التقليدية بأن «الإسلام السياسى ليس كله مثل بعضه» وأن الإخوان ينخرطون فى العملية السياسية فى البلدان التى ينشطون فيها. هى ذات الحجج تقريبا التى تطرحها مراكز البحث الداعمة لاتخاذ القرار استنادا إلى دراسات أكاديميين وخبراء الحركات الأمريكية. وبغض النظر عن أن هناك حججا مقابلة ترى أن جماعة الإخوان هى العباءة التى خرجت منها كل التنظيمات والجماعات المتشددة والمتطرفة، فإن الإدارة الأمريكية تحدد سياساتها على أساس المصلحة أولا وقبل معايير مثالية ومبدئية. وإذا كان المبرر لقرار الحظر العمل على مكافحة الإرهاب فإن حجة من لا يريدون الحظر هى إمكانية الاستفادة من الإخوان فى إنفاذ وحماية المصالح الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط.
الواضح أن مذكرة الخارجية الأمريكية، التى يقال إنها السبب فى إرجاء قرار حظر الجماعة أمريكيا، تركز على أهمية دور الإخوان فى بلدان المنطقة أكثر مما تفند علاقتها بالإرهاب من عدمها. وتلك أيضا كانت السمة الأساسية للمراجعة لوضع الجماعة فى بريطانيا، والتى تسعى لجنة الشئون الخارجية فى مجلس العموم البريطانى لإفراغها من أى مضمون بل وتطالب الخارجية البريطانية بالتواصل مع الإخوان. وهنا أيضا ترجيح لحسابات ترى تقاطع مصالح مع الإخوان، بغض النظر عن علاقتهم بالتطرف والتشدد. ليس من المستغرب أن تلك الدول التى تتعامل بتسامح مع قيادات إخوانية وسلفية جهادية تستضيفها على أراضيها قد تجد من مصلحتها احتواء ما يمكن وصفه بـ«الإرهاب المعتدل» كالإخوان وغيرهم لتواجه به ما تعتبره «الإرهاب المتشدد» مثل القاعدة وداعش وغيرها. لكن المثير للدهشة هو حين تجد السلطات فى تلك الدول تحملنا فى المنطقة تبعة نمو «الإرهاب المحلي» فى مجتمعاتها، بينما هى تمنح اللجوء والشرعية القانونية لمن يعزون بالأساس الفكرى للتطرف والإرهاب.
ومع الأخذ فى الاعتبار القوانين والنظم التى تعمل بها تلك الدول، لا يمكن أيضا استبعاد دور أجهزة الأمن المتعددة والاستخبارات وجماعات الضغط ـ بما فيها جماعات حقوق إنسان فى تسهيل وجود تلك القيادات. والأمثلة كثيرة، منها فقط للتذكرة عمر بكرى وهو من مواليد حلب الذى بدأ نشاطه من تنظيم الإخوان فى سوريا قبل أن ينتقل إلى لندن فى أواسط الثمانينيات ليؤسس مع غيره حزب التحرير المتطرف ثم تنظيم «المهاجرون» الأكثر تطرفا سهما فى تنشئة مجموعات من المتطرفين المحليين فى بريطانيا، وحين أدين وحكم عليه عام 2010 غضت السلطات الطرف عن هروبه إلى لبنان.
مثال آخر هو عادل عبد المجيد عبد الباري، الذى حوكم ضمن تنظيم الجماعة الإسلامية فى مصر (وهى الذراع الشبابية للإخوان فى نهاية السبعينيات) والذى لجأ فى بريطانيا أواسط التسعينيات بمساعدة معارف فى منظمة العفو الدولية (هم أيضا من سهلوا قدوم هانى السباعى لبريطانيا) ولم تسلمه لأمريكا لاتهامه فى تفجيرات نيروبى ودار السلام إلا فى 2012. سواء أجلت الإدارة الأمريكية الجديدة قرارها، أو اتخذته فإن هناك فى أركان المؤسسة البيروقراطية للسلطة من يرى أن خطر تفريخ الإرهاب المحلى أقل أهمية من المصلحة فى العلاقة بالإخوان والدور الذى يمكن أن يؤدوه فى المنطقة لمصلحة استمرار الإرهاب ومكافحته.