الأهرام
د . انجى فايد
علاقات مصر من بلاد «بونت» إلى واشنطن
ترك لنا المؤرخون المصريون القدماء ثروات من المعرفة، ومنها ما كتبه مانيثون المؤرخ السمنودى المصرى باللغة المصرية واليونانية الذى عاصر حكم بطليموس الثاني، وتعرفنا من مانيثون وغيره على تاريخ مصر، وأدركنا بشكل أوضح من خلال نصوصهم المكتوبة على حجر باليرمو وقائمة الكرنك وأبيدوس وتورين وسقارة، استراتيجيات وسياسات الملوك الفراعنة الإقليمية والدولية فى هذه العهود. بخلاف ما تركته لنا نصوص الأهرامات ومتون التوابيت وكتب الموتي، ناهيك عما تم تسجيله على العمارة الإنشائية من معابد ومقابر ومسلات.

ما دعانى لهذا الحديث هو التحركات المصرية قديما وحديثا، سواء المحلية أو الدولية، ما جعلنى استحضر كل ما درسته لأدرك أن مقولة «التاريخ يعيد نفسهس» صحيحة مائة بالمائة وإن كان بمقدرات جديدة وشخوص مختلفة.

تبدأ الحكاية منذ القرن 32 ق.م حينما قام الملك نعارمر الملقب بمينا أو «الراعى الخالد» بتوحيد قطرى مصر الدلتا والصعيد، ونجح بعد ثمانى محاولات سبقه أسلافه فيها بعد ما مهده له الملك العقرب، إلى تكوين وحدة سياسية وعقائدية والدخول بمصر لفجر التاريخ، ليبدأ عصر الأسرات الذى تبدأ معه ضمنا ومضمونا الدولة المصرية. ومع ملوك الدولة القديمة يبدأ الملك سنفرو أبوالملك خوفو، يليه ساحورع ثانى ملوك الأسرة الخامسة، من إرسال أول بعثات خارجية مصرية إلى الشام وبلاد الرافدين (لبنان)، وإفريقيا (بلاد بونت) الصومال حاليا، بهدف فتح قنوات تعاون وتعامل مع هذه المناطق.

الهدف الظاهر منها، كان تبادلا وتعاونا مشتركا، وأما الباطن فقد استهدف تكريس إستراتيجية أمن قومى لفرص السلام والعلاقات الطيبة بهدف تأمين حدود مصر جنوبا. وتستمر هذه الإستراتيجية حتى الدولة الحديثة فى عهد الملكة حتشبسوت، لتسجل وتصور لنا على جدران معبدها فى الأقصر مناظر لهذه الرحلة فى «بونت» وبعد عودة البعثة إلى مصر، وهى تزرع شجرة بخور فى حديقة آمون جلبتها من هناك. فى الألفية الثالثة ميلاديا وبالتحديد 3 يوليو 2013، نرى التحرك المصرى يلبى النداء لتصطبغ حضارة هذا الشعب، بصبغة قومية متجانسة، ويسعى الوطن للانخراط فى تنظيم سياسى مستقر، ولتنتقل مصر إلى مرحلة اعتبارية جديدة، بعد أن كادت تتعرض للتقسيم. وتستمر مصر تستلهم حاضرها من تاريخها القديم من أيام مينا وحتشبسوت، لنشاهد حضورا مصريا رائعا فى قمة البحر الميت العربية، ثم قمة مصرية - أمريكية فى واشنطن، وطبيعى ألا نغفل ما سبقهما من زيارات متعددة لإفريقيا ومختلف دول العالم، وكان نصيب الداخل زيارات لأسوان وسيناء وشرم الشيخ والدلتا بمختلف محافظاتها.

لقد تحرك ملوك مصر نحو الشمال، فأقاموا علاقات وطيدة مع بلاد اليونان، بدأت ملامحها منذ الحضارة الميناوية3650-1450 ق.م، حيث عثر السير آرثر إيفانز على منتجات مصرية فى مدينة كنوسوس بكريت، واستمرت تلك العلاقات طوال فترات العصر الفرعونى، كما سمح ملوك مصر للتجار اليونانيين باتخاذ مدينة نوقراطيس ( كوم جعيف الحالية ) على الفرع الكانوبى مركزا لهم. ونجح الملوك المصريون القدامى فى إقامة علاقات قوية بين مصر وجيرانها.

تلك العلاقات الدولية والمعاملات السلمية لم تقتصر على الصعيد الدولى فحسب، بل نراها تمتد إلى النطاق المحلي، فقد حرص الملوك الفراعنة على توطيد روابط وأواصر الصلة بين الأقاليم فى الصعيد والدلتا، وأدت هذه الحصيلة إلى نشر السلام والاستقرار فى مصر، فنهضت حضارتها القديمة وأبدع الفنانون فى كل مجالات الفن، وكذلك أبدع المهندسون فى مجال العمارة والتشييد. ولذا، فإن ما ينجح المصرى دائما فى تطبيقه من علاقات مصرية خارجية وداخلية، هو نتاج تاريخ طويل من تطبيق إستراتيجية أمن قومى وسياسة دعم اقتصادي.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف