الجمهورية
زياد السحار
في بيتنا "كافيه".. !!
رحم الله الكاتب الروائي الكبير إحسان عبدالقدوس.
في زمن الكفاح ضد الاحتلال البريطاني لمصر. واحتشاد الشعب المصري لتحمل مسئوليته الوطنية من أجل الاستقلال والخلاص من الاستعمار. كتب روايته الخالدة: "في بيتنا رجل".
أعتقد لو كان هذا الصحفي والأديب الرائع حياً بيننا هذه الأيام.. وبعد أن تغيرت الأحوال وطردنا المستعمر. وتعددت الثورات نجح بعضها وفشل بعضها.. وتغيرت طباع المصريين تحت وطأة ظروف اقتصادية واجتماعية كثيرة ما بين نظريات وتجارب اشتراكية وسياسات انفتاح وخصخصة وسيطرة أصحاب رءوس الأموال ورجال الأعمال. واضطراب القيم وتفشي ظواهر فساد ورشاوي وعجز حكومي عن فرض النظام والانضباط في المجتمع وفي الشارع المصري.
أتصور لو كان هذا الرجل حياً بيننا يرصد هذه الأحوال لكان عنوان إحدي رواياته في العقد الثاني من هذا القرن: "في بيتنا كافيه".. !!
ولا غرابة في ذلك. بعد ما تحولت معظم الطوابق الأرضية في كل أنحاء مصر إلي مقاه وكافيهات طبقاً لتفاوت المناطق السكنية والأحياء ما بين عشوائية. وشعبية. وراقية.. تتساوي جميعاً في هذا الهدف التجاري المربح جداً. وإن اختلفت المظاهر والشكليات والمسميات.
***
للأسف صارت حياتنا مقهي كبيراً.. تحت وطأة ظروفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية. غاب عنا الهدف والمشروع القومي الكبير الذي كان يجب أن يجمعنا جميعاً بعد أن تخلصنا من الاستعمار.. 65 عاماً كانت كفيلة لتجعل من بلدنا بلداً عظيماً متقدماً متطوراً متحضراً ينعم بالرخاء والنظام وسيادة القانون. وهو ما نجحت فيه دول كثيرة في الشرق والغرب ربما بدأت مشروعها الوطني بعدنا.. ولكنه من الغرابة والدهشة اننا حتي الآن فشلنا في أن نحقق أبسط قواعد التقدم والرقي وهو فرض النظام والقانون في الشارع المصري بدءاً من تطبيق قواعد المرور أو جمع القمامة أو احترام الناس لتخطيط الشوارع في المدن الكبري وشروط وتراخيص الأنشطة التجارية والأماكن السكنية والحماية المدنية أو الحفاظ علي البيئة ومنع التلوث أو التنسيق الحضاري وزيادة الحدائق والمساحات الخضراء.
ولكن الواقع الذي نعيشه الآن في الشارع المصري هو واقع مؤلم وحزين. ولا سيما مع فشل كل الجهود والمحاولات لفرض بعض من هذا النظام والانضباط الذي يدهشنا عندما يزور بعضنا دولاً أخري في العالم نجحت في إدارة كافة أمور حياتها العامة واليومية.
ولا أدري لماذا حدث لنا ما حدث؟! هل كان سببه غياب إرادة المجتمع وغرق الناس أغنياؤهم وفقراؤهم في خضم الفشل الإداري الحكومي وقلة ساعات العمل وما ترتب عليه من مساحات هائلة من أوقات الفراغ مع تفشي البطالة بين الشباب وهو الأمر الذي كان من الطبيعي أن يفرز سوقاً رائجة تستوعب هذا الكم الهائل من العاطلين والمتسكعين رغم الظروف الاقتصادية الصعبة والشكوي من قلة الدخول وارتفاع الأسعار وهذا أمر طبيعي مع شعب يختل ميزانه التجاري يستورد أغلب طعامه وشرابه ودوائه ووسائل مواصلاته ووقوده وأدوات أبسط صناعاته.. ولا دهشة عندما تنهار العملة الوطنية ليوازي الدولار الواحد ما يقارب 20 جنيهاً مصرياً.
***
يطول الحديث عن أسباب تحول بلدنا إلي مقهي كبير.. ولكن هذا لا يعني أن تعجز الإدارة المحلية عن محاصرة انتشار تلك المقاهي والكافيهات بشكل مخيف يهدد معه أيضاً الثروة العقارية في بلدنا.
فمن غير المفهوم أن تتقاعس سلطات المحافظين ونوابهم ورؤساء الأحياء وجحافل المهندسين في الإدارات الهندسية المسئولة عن ظاهرة تحول الطوابق الأرضية في كل نواحي مصر إلي أنشطة تجارية ما بين محال ومعارض ومكاتب وشركات. وفي الغالب إلي مقاه وكافيهات.. هذا النشاط التجاري الذي يكسب صاحبه ذهباً حيث يبلغ ثمن حجر الشيشة في الكافيه 30 و40 جنيهاً وثمن المشروب مائة جنيه. وكم تكون الأرباح مناطحة لأرباح المخدرات والدروس الخصوصية في موسم المونديال والبطولات الكروية!
يتحدث السيد المحافظ أي محافظ كثيراً في مسألة تراخيص المقاهي التي تجلب الجرائم والفوضي وإشغالات الطرق واختناقات المرور.. حملات من وقت لآخر ذراً للرماد في العيون.. ولكن تبقي الأوضاع علي ما هي عليه.. والأسوأ هو العبث في أساسات عقاراتنا القديمة بتحويل الوحدات السكنية الأرضية إلي مقاه. ومعها تهدم الحوائط والأسقف والجدران وتتهدد سلامة السكان وتسقط العقارات من وقت آخر.. ويكتفي السادة المسئولون بإظهار المحاضر الشكية في ظل القانون الذي لا يُفعل.. وتبقي قاهرتنا ما هي إلا مقهي كبير.. !!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف