د. محمود خليل
تيران وصنافير.. «ممنوعات»!
يخطئ من يظن أن حكم محكمة الأمور المستعجلة بإسقاط حكم المحكمة الإدارية ببطلان التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية (اتفاقية تيران وصنافير) قدم حلاً للمشكلة، أو مخرجاً من المأزق الذى وجدت الحكومة نفسها فيه منذ إعلان التوقيع على هذه الاتفاقية، أثناء الزيارة الشهيرة للملك سلمان إلى مصر عام 2016. الحكومة ما زالت فى المشكلة، والسلطة لم تزل فى مأزق. ليس عليك كى تستدل على ذلك سوى أن تتذكر حالة الفرحة التى قوبل بها حكم الإدارية العليا بمصرية الجزيرتين، وحالة الشرود التى قوبل بها حكم «الأمور المستعجلة» على مستوى المعنيين بهذه القضية، الحكم القضائى فى الحالتين واجب الاحترام، لكن موضوعات «الأرض» لا تعالج بالأحكام القضائية فقط، خصوصاً أننا أمام حكمين متعارضين. هناك شىء اسمه المواءمات السياسية أجده غائباً عن هذه الأزمة منذ ظهورها.
قلت لك غير مرة إن موضوع الأرض من الموضوعات شديدة الحرج بالنسبة للمصريين، وأن ما تزعمه الحكومة من تبعية (تيران وصنافير) إلى المملكة، وما قدمته من وثائق فى هذا السياق، لا تنهض بحال أمام الوثائق التى تقول بمصرية الجزيرتين. وجود معلومة ومعلومة معاكسة يعنى أننا فى وضع «ريبة»، والأحوط فى مثل هذه المواقف هو البعد عن الشبهات، ونبى الإسلام (صلى الله عليه وسلم) يقول: «الحلال بيّن والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه»، والأرض عند المصريين عرض، ونحن أمام أمر «مشتبه»، هناك من يقول بالرأى والمعلومة، وهناك من يردد العكس، لذا أجد أن المواءمة تفرض على صناع القرار ضرورة الالتزام بالأحوط، والبعد عن فتح هذا الملف، لأنه ملف شديد الخطورة. موضوع الأرض ليس كموضوع الغلاء أو وقف الحال أو الضغوط المعيشية المختلفة التى يعانى منها المواطن. موضوع الأرض مختلف. والعاقل من يأخذ حذره وهو يتعامل معه.
فقهاء قانونيون متعددون أكدوا أن حكم «الأمور المستعجلة» معدوم الأثر، لأن حكم المحكمة الإدارية العليا يعادل أحكام النقض، وأشار بعضهم إلى أن قيمته الوحيدة ترتبط بوضعنا أمام حكمين متعارضين، الأمر الذى يمنح المحكمة الدستورية العليا القول الفصل فى المسألة، وبغض النظر عن طبيعة أو كُنه الحكم الذى يمكن أن يصدر عن «الدستورية»، فإن أمور الدول لا تدار بأحكام قضائية فقط، هناك شىء اسمه السياسة، وشىء اسمه المواءمات السياسية، كما أشرت. ولست أشك فى أن أى شخص لديه حس سياسى يستوعب مدى الحرج فى موضوع الجزيرتين، ولو كان له أن ينصح فسوف تكون نصيحته «أغلقوا هذا الموضوع»، لأنه يمكن أن يعصف بالكثير من الثوابت التى يرتكن إليها الوضع القائم. ومهما ردد البعض من منافع يمكن أن تترتب على نقل تبعية الجزيرتين، فإن مضار هذا الموضوع ستكون أكبر من منافعه بكثير، ناهيك عن أن «الأرض» ليست موضوعاً للمقايضة أو تحقيق بعض المكاسب الوقتية فى مواجهة مشكلات مؤقتة. موضوع الأرض بالنسبة للمصريين «لعب فى الممنوع»، تقديرى أن أحداً لن يسمح به!