أبو الفتوح قلقيلة
على الفقراء التبرع لإخوانهم الأغنياء!
منذ أكثر من شهر، كتبت في مقال سابق أن مقاطعة بعض السلع لن تجدي، حتى وإن كان المقاطعون لها بالملايين مثل المواطنين الأقباط الذين يقاطعون اللحوم والأسماك منذ شهر تقريبًا توافقًا مع طقس دينى بحت، وهو الصيام الكبير الذي يسبق عيد القيامة، فمع انخفاض الإقبال على اللحوم والأسماك من فئة كبيرة بالمجتمع وجدنا العكس تمامًا هو الحادث، فأسعار اللحوم ارتفعت بما يتراوح بين 10 و20 جنيهًا مرة واحدة، أما الأسماك فحدثت مهازل في سعرها..
أصبح كيلو البلطى الصغير أو ما يسميه العامة السمك (الشر)، قد قفز إلى 30 و40 جنيها بعد أن كان أقصى سعر له هو 10 جنيهات في بلد لديه بحران عالميان ونيل يمتد لأكثر من 1000 كيلو داخل أراضيه، وأيضًا مجموعة من البحيرات.. بالقطع سيتذكر البعض مزارع الاستزراع السمكى في تفريعة قناة السويس الجديدة بجوار تلك المصادر، ومع ذلك وجدنا هذا العبث في أهم مصدر بروتين للغلابة الذين قاطعوا اللحوم البلدية بل المستوردة الفاسدة منذ زمن بعيد بسبب الفقر وفقط وليس ترفعًا عنها أو لأنهم نباتيون مثلا !
الواقع أن مصر لا يصلح معها قوانين العرض والطلب، فليس هناك ضابط لأى شىء فمن يملك القوة والنفوذ يفعل ما يحلو له، بل إن الحكومة وسياستها المعلنة لا تبشر إلا بمزيد من المزايا للأغنياء من رجال أعمال وتجار محتكرين، بينما كل التبشير بالهم وغلاء كل شىء فقط من أجل الفقراء.. كيف ذلك؟!
مثلا في نفس الليلة التي تمت فيها مضاعفة سعر تذكرة المترو، قامت الحكومة بإلغاء الضرائب على الأرباح الرأسمالية في البورصة، وكأن ذلك مؤشر ودعوة للفقراء أو المعدمين من ركاب المترو بدعم أشقائهم الأثرياء، بل الأسوأ من ذلك هو تشجيع الحكومة "التصدير" ومنح تسهيلات ودعم للسادة المصدرين مهما كانت سلعهم حيوية أو تمثل أمنًا قوميًا مثل «الأسماك» التي يتم تصديرها للخارج بينما شعب الداخل يسعى وراء سمكة بسعر معقول في عالم لا معقول وعبثي صنعته قرارات حكومية مجحفة ومنحازة للأقوى والأغنى وفقط !
في شأن آخر نجد مثلا الموظف المصرى المقهور يدفع ضرائبه على الدخل شهريًا ومن المنبع، أي يتم خصمها منه أولا بأول، إن كان عاجبه، ثم نجد مسئولا كبيرا بالضرائب يخبرنا أن نجمة سينمائية وتليفزيونية شهيرة قد دفعت خمسة جنيهات فقط ضرائب عن العام المنقضى! لقد قرأت هذا الخبر أكثر من مرة حتى أتأكد أن الرقم صحيح خاصة أن بجوار هذا الرقم كان هناك رقم آخر محترم لصحفى مصري ونجم إعلامي شهير تم تحجيمه مؤخرًا، قد دفع مليونًا و400 ألف جنيه تقريبًا.. عظيم جدًا هذا الرقم لكنه يتوارى خجلا إذا علمت أن هذا الإعلامي الأشهر كان يحصل على ما يقرب من هذا الرقم شهريا! لكن يبقى السؤال حائرًا نجمة لها إعلانات بالملايين وأعمال فنية شهيرة تم عرضها في رمضان الماضى تدفع خمسة جنيهات فقط.. طيب مش ممكن تتبرعها كمان!
إذا كانت الدولة تريد بصيصًا من العدل فعليها أولا أن تلزم الأثرياء بضريبة تصاعدية يكون الهروب منها معاقبًا بمضاعفتها، مع إلغاء الضرائب نهائيًا على الفقراء من عمال وموظفين حتى يستطيعوا مواصلة العيش على الكفاف في هذا البلد في ظروفه الراهنة، أما غير ذلك فهو الظلم بعينه، أما الحديث الماسخ وغير المجدى والخيالى عن المقاطعة لبعض السلع فلقد كذبته مرارًا القوة الشرائية للأثرياء الذين سيشترون كيلو اللحم حتى لو قفز لــ 200 جنيه مادام المناخ العام السياسي والاقتصادى شديد الانحياز لهم..
أما الفقراء الذين كان سمك المزارع السيئ وغير النظيف في غالبيته جل أملهم وغايتهم في مصدر بروتين حيوانى بعدما ترفعت الفراخ البيضاء عنهم وتدللت هي الأخرى، فلهم الله وكفى به حسيبًا ووكيلا مادامت التسعيرية الجبرية مرفوضة من السادة الوزراء ومن معهم ولكن عليهم أن يكملوا المهزلة بحملة إعلانية جدية تدعو الفقراء للتبرع للأغنياء حتى تتخلص الدولة من الفقر والفقراء للأبد، خاصة أن أمر معيشتهم وتوفير الطعام لهم صار معضلة ولغزًا لا يستطيع أحد حله.