المصريون
جمال سلطان
هذا الغموض في زيارة السيسي لأمريكا
قالت دار الإفتاء المصرية في بيان لها أن لقاء الرئيسين السيسي وترامب يعزز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين ، وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب ، ولا تسألني عن دخل المفتي ودار الإفتاء في العلاقات الاستراتيجية ، وما إذا كانت الهيئة الدينية تتقمص شخصية وزارة الخارجية أو الداخلية أو حزب سياسي ، ولكن هذا مجرد ملمح صغير من "الزيطة" التي أصبحت معلما على زيارة الرئيس المصري الجديدة إلى أمريكا ، فهناك حالة من الإسهال الكلامي والإعلامي من كل من هب ودب تعليقا على الزيارة حتى أصبحنا أمام سوق مفتوح "للتهريج" السياسي والإعلامي ، وفرصة سانحة لمن أراد أن يستثمر في "النفاق" السياسي لرئيس الجمهورية .
بعيدا عن الشراكة الاستراتيجية لدار الإفتاء والحديث عن قفا الزميل يوسف الحسيني الجديد والبودي جارد الذي استأجره أحمد موسى لحماية قفاه هذه المرة ، لن تجد في الإعلام المصري أي كلام مهم أو مفيد عن الزيارة ، حتى ما يتعلق باجتماع السيسي مع ترامب ، وهو أهم ما في تلك الزيارة ، عرفنا فيه الضحكات المتبادلة ، والثناء المتبادل بين السيسي وترامب ، حيث وجد كل طير فيه "شقيق روحه" ، وتأكيد السيسي على أنه راهن على ترامب منذ أيام الانتخابات وكسب الرهان ، وقول ترامب أنه معجب بالسيسي منذ أول لقاء بينهما ، أبعد من هذا الغزل المتبادل لن تجد شيئا سياسيا ذا بال يمكن أن تتأمله أو مصالح متبادلة محددة يمكن أن تزنها في هذه الزيارة .
أفهم أن لقاءات على هذا المستوى يفترض أنه تم التمهيد لها من قبل وزارات الخارجية ومؤسسات الرئاسة في البلدين ، وأن اللقاء نفسه ليس مكانا للهذر والحب والبلاغيات والغرام ، وإنما هو لإقرار اتفاقيات محددة ، ومعها أطر محددة أيضا للتعامل مع القضايا ذات الطابع المشترك وبالنسبة لنا هنا تحقيق مصالح مصرية واضحة ، تهم الشعب المصري وتحسن من أوضاعه الاقتصادية وغيرها ، وهذا ما اختفى تماما عن الإعلام المصري ، وربما عن الإعلام الأمريكي ، إلى الحد الذي يدفعنا للتساؤل : هل هذه المقابلة سرية ، وهل الاتفاقات التي تمت فيها هي من الخطورة والإحراج إلى حد الحرص على تكتمها ومنع الإعلان عنها أو عن تفاصيلها وفرض حالة الغموض هذه حول ما جرى بين الاثنين ، لقد سمعنا كلمات من مثل "الصفقة" ولا أدري ما معنى ذلك ، وما هي تلك الصفقة المشار إليها .
رئيس الجمهورية ممثل للشعب المصري في الاتفاقيات الدولية ، ومن البديهي أن الشعب يكون من حقه أن يعرف ما يتفاوض عليه الرئيس ، وما يلتزم به من اتفاقيات ، وما وجه المصلحة الوطنية في تلك الاتفاقيات ، ليكون الناس على بينة مما تلتزم به بلادهم ، نحن لسنا أمام قرارات حرب سرية ، خاصة وأن الكثير من المفاهيم والمصطلحات السياسية المتداولة الآن من مثل الحرب على الإرهاب هي سيالة وتختلف من دولة لدولة ، باستثناء تنظيم داعش الذي يجمع العالم على مواجهة خطره ، لكن التوصيف الأمريكي للإرهاب في المنطقة العربية وفي فلسطين تحديدا يختلف عن التوصيف المصري ، فإذا كانت هناك شراكة لمواجهة الإرهاب فلا بد أن تكون معالمها معروفة والأسماء واضحة ، وليس مجرد لافتات ، فالشيطان ـ كما يقولون ـ يكمن دائما في التفاصيل ، كما أننا لم نسمع عن أي التزام أمريكي محدد تجاه الاقتصاد المصري وما يمس الشعب نفسه ، الالتزام الوحيد المعلن هو مع "الجيش" والعون العسكري ، ولكن مصر ليست مجرد جيش ، والحديث عن الشراكة الأمريكية مع "الجيوش" ينبغي أن يوضع في سياق شامل ، وإلا فهم بصورة غير لائقة .
أرجو أن أكون مخطئا أو متعجلا ، وأتمنى أن أسمع أو أقرأ في الأيام المقبلة بيانا رسميا واضحا عن الزيارة الأمريكية وما تمخض عنها من اتفاقات والتزامات واضحة ومحددة من الطرفين ، لكي يستطيع الشعب تقييمها ومعرفة حساباتها ، ولصالح من كانت ، وما إذا كانت في صالحه أم أن الرئيس أخطأ التقدير هنا أو هناك.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف