الأهرام
د.أحمد سيد أحمد
أسس جديدة للعلاقات المصرية الأمريكية
دشنت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للولايات المتحدة ولقائه الرئيس ترامب مرحلة جديدة من العلاقات المصرية الأمريكية وأسهمت فى تصحيح التشوهات التى أصابتها نتيجة لسياسات إدارة أوباما السابقة
والتى وضعتها فى حالة من البرود والجمود السياسى جراء مواقفها السلبية من التفاعلات السياسية فى مصر بعد ثورة 30 يونيو وممارسة الضغوط على الحكومة المصرية لإدماج جماعة الإخوان المسلمين فى العملية السياسية وفرض المشروطية على المساعدات العسكرية وتعليق بعض أجزائها وربطها بمدى التقدم فى الخريطة السياسية وكتابة دستور جديد وإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية, وتزامن معها انقطاع الزيارات المتبادلة على المستوى الرئاسى.

لكن رغم حالة الجفاء السياسى فإن العلاقات المصرية الأمريكية تتسم بالتعقيد والتشابك وذات أبعاد متعددة, فرغم الجليد على المستوى السياسى والدبلوماسى, فإنها ظلت قوية ومستمرة على المستويات الأخرى الأمنية والعسكرية, فهناك مصالح لأمريكا فى مصر تتمثل فى الحفاظ على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التى وقعت عام 1979, وكذلك ضمان المرور العسكرى الأمريكى فى قناة السويس والتعاون بين الجيشين المصرى والأمريكى عبر مناورات النجم الساطع التى توقفت مع ثورة 25 يناير, وتقدم مساعدات عسكرية سنوية لمصر تقدر بـ 1٫3 مليار دولار لم تتغير قيمتها بما يعكس الأهمية الإستراتيجية لمصر, على خلاف المساعدات الاقتصادية التى انخفضت قيمتها من 800 مليون دولار إلى نحو 200 مليون دولار وتغيرت تركيبتها من دعم الإصلاح الاقتصادى إلى التعليم وبرامج المجتمع المدنى والإصلاح السياسى, وهو ما كان أحد أسباب التوتر خلال فترة نظام مبارك, كما تشكل مصر أحد حلفاء الولايات المتحدة الأساسيين فى منطقة الشرق الأوسط ومحور ارتكاز فى دعم السياسة الأمريكية فى محاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية.

وفى المقابل تمثل الولايات المتحدة أهمية إستراتيجية كبيرة لمصر, فهى تمثل قوة عظمى مازالت تقف على رأس هرم النظام الدولى ولديها تشابكات عديدة فى المنطقة, وقادرة على التأثير فى تفاعلات أزماتها, وهى ثانى أكبر شريك تجارى لمصر بعد الاتحاد الأوروبى بحجم تبادل تجارى يبلغ 5 مليارات دولار سنويا, ولذلك يضع حجم التشابكات بين البلدين سقفا وحدودا للتصادم بينهما وتجعل كلا منهما فى حاجة للآخر, ومن مصلحة البلدين أن تكون بينهما علاقات قوية ترتكز على أسس متينة تتمثل فى:

أولا: على المستوى الثنائى تقوم العلاقات على أساس الندية والاستقلالية وليس منطقة التبعية الذى ساد فى فترات سابقة, فمصر بعد ثورتى 25 يناير و30 يونيو تغيرت بشكل جذرى, حيث أصبح النظام يكتسب شرعيته من الإرادة الشعبية وليس من الدعم الخارجى, كما أصبحت سياستها الخارجية وعلاقتها الدولية تقوم على الاستقلالية والتنوع فى دوائرها ولم تعد الولايات المتحد الحليف الوحيد, بل هناك علاقات قوية مع الدول البارزة فى النظام الدولى مثل روسيا والصين, وأن مبدأ المصلحة وليس الأيديولوجيا, هو الذى يحكم العلاقات الدولية, بما يعنى أن السياسة المصرية فى علاقاتها بالولايات المتحدة أو مع غيرها تستهدف تعظيم مجالات التعاون الاقتصادى والعسكرى بما يخدم مصالح الشعب المصرى بالأساس وتعزيز التنمية الشاملة فى الداخل, خاصة فى ظل عقيدة ترامب التى تقوم على الصفقة والمصلحة, وأن انفتاحه على مصر سيكون بقدر ما تحققه من مكاسب لبلاده. ومن المهم ألا تختزل العلاقة مع الولايات المتحدة فى البيت الأبيض ووزارتى الخارجية والدفاع, بل تمتد إلى مختلف مؤسسات ومراكز صنع القرار المتعددة مثل الكونجرس ومراكز الأبحاث ووسائل الإعلام وجماعات الضغط والرأى العام. وأن تتخلى واشنطن عن منطق فرض الديمقراطية والتدخل فى شئون الدول تحت مظلة حقوق الإنسان والإصلاح السياسى كغطاء لتحقيق مصالحها, فالديمقراطية والإصلاح خيار مصرى نابع من الداخل وقد قطعت مصر بالفعل خطوات مهمة على هذا الطريق. كما أن سياسة إدارة ترامب تتسم بالواقعية والتخلى عن سياسة سلفه أوباما فى قضية الترويج للديمقراطية فى الخارج.

ثانيا: على المستوى الإقليمى, من مصلحة البلدين أن يكون بينهما مزيد من التعاون والتنسيق فى إطفاء النيران المشتعلة فى منطقة الشرق الاوسط ومواجهة خطر الإرهاب المتصاعد الذى يمثله تنظيم داعش ويهدد كلا منهما, من خلال العمل المشترك فى تسوية الأزمات فى سوريا والعراق واليمن وليبيا عبر التسوية السياسية التوافقية التى تحافظ على استقرار ووحدة هذه الدول ومؤسساتها الوطنية, وأن تكون هناك مواجهة شاملة عسكرية وفكرية وثقافية لقضية الإرهاب وقطع مصادر التمويل عنه وتجفيف البيئة الحاضنة له. كما أن من مصلحة أمريكا تحقيق تسوية تاريخية عادلة للقضية الفلسطينية تحقق للفلسطينيين حقوقهم المشروعة فى إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية, وأن تضغط إدارة ترامب على حكومة نيتانياهو اليمينية لتقديم تنازلات حقيقية فى عملية السلام والتوقف عن سرطان الاستيطان الذى ينسف حل الدولتين وأن تتخلى عن فكرة نقال السفارة الأمريكية إلى القدس.

وبالتالى فإن أهمية القمة المصرية الأمريكية بين الرئيسين السيسى وترامب فى كونها أسهمت فى وضع أسس جديدة للعلاقات المصرية الأمريكية بما يحقق مصالح البلدين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف