الأهرام
عبد الفتاح الجبالى
مصنع الألبان وأصول الدولة
يطرح موضوع مصنع ألبان الأطفال (لا كتو مصر) الخاص بإنتاج الألبان والذى أعلن اكتشافه وزير الصحة المصرى أخيرا العديد من الأمور المهمة.

يأتى على رأسها مدى معرفة الوزير بتفاصيل الأجهزة القائمة تحت قيادته وثانيهما مدى وجود قاعدة بيانات كاملة ومتكاملة للأصول المملوكة للدولة؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا المصنع تبلغ طاقته الإنتاجية نحو 35 مليون علبة سنويا بينما تصل الاحتياجات المجتمعية نحو 18 مليونا فقط ورغم ذلك قامت الحكومة أخيرا باستيراد احتياجاتها من الخارج، فى أثناء الأزمة التى مرت بها البلاد وفى ظل أزمة العملة الأجنبية التى تعانيها. بينما يقوم المصنع بتصدير منتجاته إلى الدول الأوروبية والعربية بل والأفريقية بعد أن أوقفت وزارة الصحة التعامل معه وهو ما أدى إلى زيادة الأعباء على الاقتصاد القومى والمواطن المصرى ومن المفارقات أن الشركة تسهم فيها إحدى الشركات التابعة للوزارة وهى الشركة العربية للصناعات الدوائية (اكتيما) وهو ما يدفعنا لفتح ملف مهم وأساسى فى الاقتصاد المصرى وهو تحديدا الأصول المملوكة للدولة والى أى مدى يتم استغلالها الاستغلال الأمثل.

وقبل تناول هذه الأمور لابد من تأكيد أن الوزير، أى وزير، له الكثير من العذر فى عدم القدرة على المعرفة التفصيلية بالأوضاع داخل وزارته، وذلك فى ضوءالهيكل الإدارى المعقد للغاية حيث يتكون من 36 وزارة و29 محافظة ونحو 86 هيئة خدمية و51 هيئة اقتصادية بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من الشركات العامة وشركات قطاع الأعمال والشركات القابضة النوعية، وهكذا فالوزير الواحد يتبعه عدد من الهيئات الخدمية ومجموعة من الهيئات الاقتصادية وبعض الشركات العامة، وربما المشتركة، فعلى سبيل المثال فإن وزارة النقل تخضع لها مديريات الطرق بالمحافظات وهيئة النقل البرى والنقل البحرى وهيئة السكك الحديدية ومترو الأنفاق وغيرها، ووزارة قطاع الأعمال العام تتبعها 8 شركات قابضة وهى تتبعها 142شركة تابعة كل منها لها قوانين وآليات منظمة للعمل بها تختلف فيما بينها بعضها البعض بل وتتعارض أحيانا، ووزارة الثقافة يتبعها نحو 21 جهة وجهازا فضلا عن وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية التى يتبعها نحو 38 جهة وهيئة بالإضافة الى شركة المقاولون العرب، وهكذا فكل وزير منوط به الإشراف على عدد لابأس به من هذه الكيانات، الأمر الذى يجعله يقضى معظم الوقت فى الأعمال الإدارية والروتينية ولايلتفت كثيرا لصنع السياسات العامة فى وزارته.

وهنا يتبادر إلى الذهن مباشرة الحديث عن أوضاع الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة والتى كان من المفترض أن تلعب جانبا مهما فى الحد من عجز الموازنة عن طريق ما تحققه حقوق الملكية فيها والتى تمثل حقا للخزانة العامة وللأسف فهذا لم يحدث إلا فى القليل النادر من هذه الوحدات فعلى الرغم من أن الملكية العامة فى مصر كبيرة ومتشعبة حيث تتراوح بين الهيئات الاقتصادية (51 هيئة) وشركات قطاع الأعمال العام الخاضعة للقانون رقم 203 لسنة 1991 وعددها 8 شركات قابضة و156 شركة تابعة فضلا عن شركات القطاع العام الخاضعة للقانون رقم 97 لسنة 1983 وعددها 47 والشركات القابضة النوعية التابعة للوزارات ( وعددها 14 شركة تتبعها 91 شركة تابعة) والشركات الخاضعة لأحكام القانون 159 لسنة 1981 وبنوك القطاع العام والتنمية والائتمان الزراعى فضلا عن الشركات الخاضعة لبعض الهيئات الاقتصادية مثل هيئة البترول ويتبعها 12 شركة وقناة السويس ويتبعها 7 شركات وغيرها ناهيك عن الشركات المشتركة وهى التى يسهم فيها المال العام من مختلف المؤسسات سواء كانت بنوكا عامة او شركات قابضة ونوعية ويبلغ عددها نحو 704 شركات برءوس أموال قدرها 683 مليار جنيه. وهى فى معظمها تخضع لقانون 159 لسنة 1981 وأيضا 95 لسنة 1992 وقانون 8 لسنة 1997

ونظرا لأن هذه الكيانات تعتبر وحدات مستقلة ذات شخصية اعتبارية ولها استقلالها المادى والإدارى باعتبارها ذات طابع اقتصادى وفقا للقوانين المنظمة لها. فإن العلاقة بينها وبين الموازنة العامة للدولة بمنزلة علاقة ملكية تتركز فى نتائج الأعمال وعلاقة تمويلية تتركز فى المساهمة والإقراض. وكان من المفترض أن تحقق هذه الجهات الهدف من استقلالها وأن تدار على أسس اقتصادية وتجارية تمكنها من تحقيق فوائض مالية أو على الأقل تسهم فى تمويل نفسها ذاتيا وبالتالى تخفف العبء عن الموازنة العامة للدولة إلا أن هذا لم يتحقق على الإطلاق بالنسبة لعدد كبير منها. بل وظلت هذه الجهات تحقق خسائر متراكمة عبر السنوات مما أدى إلى التدخل لتمويلها من جديد وبأموال طائلة للغاية.

فى هذا السياق تم اقتراح إنشاء جهاز إدارة الأصول المملوكة للدولة فى عام 2009 ولاقى قبولا كبيرا عندما تم طرحه للحوار المجتمعى من جانب المتخصصين والبرلمانيين والإعلاميين من مختلف التيارات. حيث يحقق العديد من المزايا التى تمكن من حسن إداراة هذه الأصول خاصة على صعيد ضخ الاستثمارات والهيكلة المالية والادارية لكل الشركات القابضة والتابعة. وإرساء قواعد جديدة لمساهمة هذه الكيانات فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتمت إعادة المحاولة مرة أخرى عام 2014 واتفقت الآراء على ضرورة إنشاء هذا الكيان ليكون بمنزلة الذراع الاستثمارية للدولة ويتمتع بقدر كبير من المرونة ولديه العديد من الآليات التى تمكنه من تحقيق الأهداف التنموية، وذلك على غرار التجارب الدولية مثل سنغافورة وماليزيا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية وأستراليا وغيرها من الدول. وفى هذا السياق تم اقتراح مشروع قانون متكامل لهذا الموضوع.

ولكن للأسف الشديد فقد تم إهمال كل هذه الأعمال واللجوء إلى مكاتب استشارية خارجية لاتعلم كثيرا عن الواقع المصري، وهو نفس المنهج الذى تم مع قطاعات الغزل والنسيج والحديد والصلب وغيرهما من القطاعات، رغم وجود العديد من الدراسات فى هذه المجالات، عموما فقد أدى هذا الاتجاه الى تحول الاهتمام من العمل على حسن استغلال هذه الأصول لتضيف طاقة إنتاجية للمجتمع إلى التخلص من هذه الأصول مباشرة دون التفكير فى الإصلاح الجذرى لهاوهذه مشكلة كبيرة إذ إن التخلص من الأصول بالبيع لسد عجز الموازنة من الأخطاء التى يجب العمل على تلافيها. وبالتالى يجب العودة مرة أخرى إلى التفكير فى الكيان السالف الإشارة إليه حتى تتحقق الأهداف التنموية للبلاد.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف