الوطن
حافظ أبو سعدة
اليوم يبدأ السباق للفوز بالسعفة الذهبية
شكّلت تصريحات وزير العدل المستقيل صدمة للرأى العام فى مصر الذى انتفض ضد هذه التصريحات، وطالب الوزير بالاستقالة أو الاعتذار، ففضل الوزير الاستقالة مع تمسكه بما قال من تحبيذ للتمييز ضد الفقراء وأبناء المهن المهمشة وحرمانهم بشكل قاطع من تولى وظيفة فى سلك القضاء.

لا يجب أن يغلق الملف باستقالة الوزير، فقد فتح هذا ملفاً مهماً جداً وهو ملف توريث الوظائف العامة فى مصر، لا سيما أن ممارسات تمييزية أصبحت تتم فى مصر يومياً للتعيين فى الوظائف بدون اعتبارات الكفاءة، منها بالطبع عنوان عريض لتوريث الوظائف هو أبناء العاملين، فكثير من الوظائف تحجز أولاً لأبناء العاملين، ثم بعد ذلك إذا ما تبقيت وظائف تُقدم لغيرهم، الواسطة والمحسوبية أيضاً عنوان آخر لتولى الوظائف.

وبدا واضحاً أن المواقف العنصرية الداعمة لحجز الوظائف لفئات اجتماعية معينة تسعى إلى تبرير موقفها آناً بأن البيئة الاجتماعية يجب أن تكون ملائمة، وهو ممارسة واضحة للتمييز الاجتماعى المحظور بنص الدستور المادة ٥٣، فضلاً عن المواثيق الدولية التى وقّعت عليها مصر التى تقرر حق كل إنسان فى تولى الوظائف العامة على قدم المساواة دون أى شكل من أشكال التمييز، طالما توافرت معايير الكفاءة من الحصول على المؤهلات العلمية المطلوبة واجتياز الاختبارات التحريرية والشفوية، فالمساواة تكون بين المراكز القانونية المتساوية هذا الشرط الوحيد المقبول لتولى الوظائف فإذا كان المطلوب تولى وظيفة أستاذ فى الجامعة، فيجب أن تكون المؤهلات العلمية المطلوبة متحققة فى كل المتقدمين ويتم استبعاد من لا يملكون ذات المؤهلات.

فى مصر فى الحقيقة أصبح التوريث فى الوظائف أحد أشكال التمييز التى تتم، لذلك فإن الكثيرين اعتبروا أن استقالة الوزير لا تعنى إزالة هذا التمييز، وهذا حقيقى، فلا بد من اتخاذ إجراءات لتحقيق المساواة، ومنها تفعيل المادة ٥٣ من الدستور التى جعلت التمييز على أى أساس، ومنها التمييز الاجتماعى، جريمة يعاقب عليها القانون، فنحن فى حاجة ماسة لإصدار قانون مكافحة التمييز، كذلك أن تكون كل الوظائف فى الدولة عبر الإعلان واسع النطاق (الشفافية) وليس الإعلان فى لوحة داخل المؤسسة أو الشركة، كذلك أن تتخذ الإجراءات التى تجهل أسماء وصور المتقدمين للوظيفة حتى انتهاء الاختيار، ثم تعلن الأسماء، هذه الإجراءات تتبع فى الاختبارات الجامعية لضمان عدم التدخل فى النتائج.

معايير حقوق الإنسان ومبادئ الدستور المصرى تعلى قيم المساواة وتكافؤ الفرص، ومكافحة كافة أشكال التمييز سواء على أساس العقيدة أو اللغة أو الجنس أو العرق أو التمييز الاجتماعى أو الطبقى، والحق فى المشاركة فى إدارة الشأن العام وتولى الوظائف العامة هى مبادئ وحقوق يجب أن تكون متاحة لكل المواطنين بلا استثناء ودور القانون والتشريع هو ضمان تحقيق هذه القيم والمبادئ وتجريم العدوان عليها بأى شكل من الأشكال، فيجب أن نرفض المقولات التى تحبذ تعيين أبناء القضاة، لأنهم من بيئة قضائية، وهو قول ينطبق على كل الوظائف، مما يعنى توريث الوظائف: أبناء الضباط ضباط، وأبناء الدبلوماسيين يكونون دبلوماسيين، وهكذا دواليك لتقسيم المجتمع على هذا النحو العنصرى التمييزى.

إذا نصت الفقرة الثانية من المادة ٥٣ من الدستور على أن التمييز والكراهية جريمة يعاقب مرتكبها، فيجب أن يعاد النظر فى كل معايير تولى الوظائف، ضرورى الإعلان بشفافية عن الوظيفة وإلغاء السلطة التقديرية للجهة صاحبة قرار التعيين، توضع الشروط الموضوعية والكفاءة العلمية لتولى الوظائف، ومن يخالف ذلك يعاقب قانوناً، فإفلاتُ مرتكبى جرائم التمييز الاجتماعى من العقاب هو السبب فى تفشى الظاهرة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف