التقدم إرادة. والتقدم ضرورة عاجلة للعرب لا تحتمل التأجيل والتأخير. فقد آن الأوان ليخرج العرب من محنتهم الرهيبة التي يعيشون فيها الآن. وهي من صنع ايديهم أولاً. ولكي يخرج العرب من هذه المحنة. يتحتم عليهم ان يقرأوا تاريخهم السياسي بعناية ودقة بدءاً من عصر الخلافة الراشدة وحتي اليوم. إذا قرأ العرب تاريخهم واستخلصوا منه الدروس المفيدة ثم نجحوا في تغيير مسار هذا التاريخ فالمؤكد انهم سيصلون إلي مرحلة النضج كتلك التي تعيشها أوروبا وسيحققون مضمون الآية القرآنية الكريمة "ان الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم".
لكي أكون أكثر صراحة ووضوحاً أقول ان العرب بحاجة ماسة وعاجلة للتخلص من عدة ظواهر تعوق تقدمهم ونموهم لأنها من اسوأ الظواهر الانسانية في حياة البشر وهذه الظواهر هي:
1- الاستبداد السياسي 2- العقلية القبلية 3- الطائفية والمذهبية 4- الظلم 5- التهميش وغياب العدالة الاجتماعية. ويؤسفني القول ان التاريخ الإسلامي امتلأ منذ نهاية عصر الخلفاء بهذه المظالم أو الظواهر.
الاستبداد السياسي هو أساس البلاء في العالم العربي والاستبداد يعني الانفراد بالسلطة ويكتسب معناه السييء في النفس من كونه انفراداً في أمر مشترك فإدارة الأمة وولايتها تعود إليها برضاها فإذا قام أحد وغلب الأمة وقهرها في أمر يهمها جميعاً وانفرد بادارتها دون رضاها فقد وقع في العدوان والطغيان والاستيلاء علي أمر الأمة دون رضاها بفتح أبواب الظلم والفساد وضروب العدوان.
وقد ظهر الاستبداد في الأمة الإسلامية في وقت مبكر بعد ان استتب الأمر لمعاوية بن أبي سفيان - وهو ممن يوصفون في التاريخ الإسلامي بالطلقاء.. وأبو سفيان حارب الرسول ولم يسلم إلا بعد فتح مكة وأمه هند بنت عتبة التي كادت لحمزة عم الرسول وبقرت بطنه ولاكت كبده وقد خرج معاوية علي سنة الخلفاء وعهد بالخلافة من بعده لابنه يزيد وقال متحدياً الأمة "من كان يريد ان يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه فنحن احق بالخلافة منه ومن أبيه".
ويقول الدكتور طه حسين في كتابه "الفتنة الكبري علي ونبوه" ان العرب لقوا غيرهم من الأمم وورثوا ملكهم وعرفوا حضارتهم وما في حياتهم من خير وشر ومن حلو ومر وكان من الطبيعي ان تنتهي الأمور إلي إحدي اثنتين فإما ان يقهر الغالبون فيعربوا هذه الأمم المغلوبة وأما ان يقهر المغلوبون فيفتنوا هذه الأمة الغالبة وقد فتنت الأمة الغالبة في كثير من أمرها فأعرضت عن خلافتها وعن سنتها الرشيدة فاندفعت إلي الملك تقلد قيصر وكسري أكثر مما تقلد النبي والشيخين يقصد "أبي بكر وعمر".
والأمر الذي لاشك فيه ان الاستبداد السياسي فتح علي الأمة العربية باب شر عظيماً ومازال يضعفها حتي وصلت إلي الحالة المزرية الآن.
وقد قاوم المصلحون من المسلمين هذه الظاهرة واتخذوا منها موقفاً قوياً منذ أيام معاوية ومازال المصلحون يقاومون حتي اليوم لكن أسباب استمرار الاستبداد السياسي تبدو أقوي من الجهود الرامية إلي انهائه.