مكرم محمد احمد
الحوار مع طهران بدلاً من وساطة واشنطن
ما فهمناه من تصريحات الرئيس الأمريكى أوباما ووزير خارجيته جون كيرى، أن واشنطن تعول كثيراً على دور إيرانى أكثر عقلانية ورشداً، يلزم الحوثيين بالامتثال لشروط التسوية السلمية للأزمة اليمنية، وأولها الانسحاب الكامل من كل المدن وتسليم أسلحتهم الثقيلة، كى تصبح إيران جزءاً من الحل، وقد كانت جزءاً من المشكلة كما قال «أوباما»، وثمة دلائل بغير حصر، تملكها الولايات المتحدة، تؤكد أن الإيرانيين سلّحوا الحوثيين حتى العظم، كى يكونوا عنصر قلق لأمن السعودية فى حدودها مع اليمن، فى صراع الإرادات السياسية بين طهران التى تعتبر نفسها زعيمة الشيعة والرياض التى تتحدّث باسم السنة، وكأننا نعيد مرة أخرى مسيرة الصراع القديم بين الدولتين، الصفوية والعثمانية فى القرن السادس عشر!
ولأن الجغرافيا تفرض على العرب كما تفرض على الإيرانيين جيرة لا مفر منها، تلزم الجانبين بمصالح مشتركة، فضلاً عن أخوة الدين التى يؤكدها تماثل الشيعة والسنة فى معظم أركان الدين الإسلامى وأصوله الأساسية، رغم خلافاتهما الفرعية العديدة، يصبح من حق المسلمين والعرب فى مشارق الأرض ومغاربها أن يسألوا أنفسهم، لماذا يلجأ الجانبان الإيرانى والعربى إلى واشنطن ويقبلان بوساطتها، رغم أن لكل منهما شكوكه المبرّرة فى المسلك الأمريكى؟!، وما الذى يحول دون حوارهما المباشر دون وسطاء؟! لعل جيرة الجغرافيا وأخوة الدين تمكنهم من إقامة جسور من الثقة المتبادلة، بما يزيد فرص التفهم والتفاهم المشترك، وتدرأ عن المسلمين، سنة وشيعة، مخاطر فتنة طائفية كبرى تطل برأسها بين الحين والآخر، وتندلع فى صدامات هنا وهناك تتكرر كثيراً، تنذر بحريق محتمل لا يعلم سوى الله نتائجه وآثاره ومداه.
والسؤال بهذا المعنى سؤال مشروع لا يمس حق السعودية فى الدفاع عن أمنها وحدودها بعد أن نصب الحوثيون صواريخ إيرانية متوسطة المدى على حدود السعودية الجنوبية، ورفضوا كل محاولات التسوية السلمية فى بداية الأزمة، وبادروا باحتلال صنعاء وإسقاط شرعية حكم الرئيس عبدربه، وتجاوزا صنعاء إلى تعز وعدن والبيضا فى الجنوب ومأرب وصرواح فى الشمال، ليتمدّدوا فى أكثر من عشر محافظات يمنية، يقوّضون أركان الدولة ويخرّبون قواتها المسلحة بمساعدة أساسية من قوات الرئيس السابق على عبدالله صالح الذى حارب الحوثيين طويلاً وهو فى الحكم وتحالف معهم أخيراً، وبفضل هذا التحالف تمكن الحوثيون من الحصول على كم ضخم من الأسلحة والعتاد الثقيل الذى يملكه الجيش اليمنى، ونجحوا فى تعزيز العديد من مواقعهم، بمساعدة قوات الجيش المنضمة إلى على عبدالله صالح!
وما يجعل السؤال مشروعاً وأساسياً، أن الكثيرين فى العالمين العربى والإسلامى يعتقدون أن المسافة بين العرب وإيران يتحتم أن تكون أقرب من المسافة بين العرب وواشنطن، وغير ذلك يدخل فى نطاق الخطأ الذى يتحتم إصلاحه.. ومع الأسف فإن واقع العلاقات الإيرانية - العربية الراهن يقول عكس ذلك، وما من سبب لهذه المفارقة سوى عدوان إيران المستمر على حقوق العرب وأمنهم الذى تجسد واضحاً فى استيلاء طهران على الجزر الإماراتية الثلاث، ورفضها كل صور التفاوض والوساطة والتحكيم لحل النزاع سلمياً، وتدخلها السافر فى شئون البحرين الداخلية تحت دعاوى طائفية، ومساندتها حزب الله اللبنانى كى يكون دولة داخل الدولة، يحتكر قرار الحرب والسلم فى لبنان، لأن قدرته العسكرية تفوق قدرة الدولة اللبنانية بفضل مساعدات طهران التى حوّلت حزب الله إلى أكبر قاعدة لصواريخ إيران فى الشرق الأوسط، وهذا ما تحاول طهران تكراره مع الحوثيين ليصبحوا عنصر قلق دائم لأمن السعودية، فى إطار مخطط فارسى واضح، نجح فى السيطرة على العراق وتبديل هويته العربية بعد انسحاب القوات الأمريكية!، وتمكن من أن يوسع نفوذ إيران فى أكثر من أربع دول عربية، سوريا ولبنان والعراق واليمن، إضافة إلى قطاع غزة، وما يزيد من خطورة هذا التوجه جذوره العميقة فى الفكر الفارسى الذى جسّدته أطماع الدولة الصفوية فى التوسّع على حساب الدولة العثمانية فى القرن السادس عشر، الذى تجدّد مرة أخرى خلال حكم الشاه الذى استثمر الدعم الأمريكى كى يستعيد قوة إيران الإمبريالية وينصب نفسه حامياً للأقليات الشيعية فى العالم العربى وشرطياً لأمن الخليج!، ثم جاءت ثورة «الخمينى» لتجعل من تصدير الثورة الإيرانية إلى جوارها العربى والإسلامى سياسة معلنة لطهران تلبى طموحات فارس القديمة، تساندها خطط سرية وعلنية لتأليب طوائف الشيعة على أنظمة الحكم فى العالم العربى!
قد حاولت مصر خلال فترة حكم الرئيس مبارك تصحيح العلاقات المصرية - الإيرانية خلال حكم الرئيس الإيرانى محمد خاتمى، على أمل أن ينجح التيار المعتدل داخل الحوزة الدينية الإيرانية فى إلزام طهران عدم التدخل فى الشأن الداخلى المصرى، وتسليم المطلوبين الهاربين الذين ينظر القضاء المصرى جرائمهم.. ورغم لقاء «مبارك وخاتمى» فى جنيف وحماسهما المشترك لتصحيح هذه العلاقات، لم ينجح «خاتمى» فى إقناع الجناح الراديكالى داخل الحوزة الدينية الإيرانية بالتوقف عن تمويل عمليات إرهاب الجماعة الإسلامية فى مصر، ورفع اسم «الإسلامبولى» قاتل الرئيس السادات من فوق واحد من أهم شوارع طهران، تمهيداً لزيارة مرتقبة للرئيس مبارك، ومع الأسف فشلت كل جهود «خاتمى» لتصحيح العلاقات الإيرانية - المصرية، وبقيت طهران على حالها القديم تساعد جماعات الإرهاب فى مصر وتمدها بالأسلحة والأموال.
فهل تستطيع واشنطن أن تستثمر تفاوضها مع إيران حول الملف النووى الإيرانى كى تكون طهران بالفعل جزءاً من حل المشكلة اليمنية، وقد كانت واحداً من أهم عوامل نشأتها!؟
الواضح من مسار التفاوض بين إيران والدول الست حول الملف النووى الإيرانى، أن طهران نجحت فى رسم إطار محدّد لعملية التفاوض، يحصرها فى القضايا المتعلقة بضمانات عدم حصول إيران على سلاح نووى فى غضون الخمسة عشر عاماً التى حددها الاتفاق، وما عدا ذلك يظل خارج التفاوض، لا يحق لأى طرف التدخل فيه، بما فى ذلك قدرة إيران الصاروخية المتزايدة، وتهديداتها دول الجوار العربى، وعلاقاتها بمنظمات الإرهاب، ودورها فى إثارة الفتنة الطائفية فى منطقة الخليج، ومحاولة إلزامها بالاعتراف بشرعية الوجود الإسرائيلى.
ويبدو أن السعودية ودول الخليج فطنت أخيراً إلى قدرة واشنطن المحدودة على تغيير الموقف الإيرانى وإلزامه بالضغط على الحوثيين كى يسارعوا بالانسحاب من المدن اليمنية وتسليم أسلحتهم الثقيلة والمتوسطة، كما فطنت دول الخليج إلى أن خطط «أوباما» لمد مظلة الأمن الأمريكى إلى السعودية ودول الخليج تكاد تقتصر من الناحية العملية على بناء شبكة دفاع صاروخية لدول الخليج ضد صواريخ إيران البلاستيكية وتنظيم قدرات دول الخليج فى الدفاع الجوى، بما يمكنها من العمل كشبكة موحدة.. وربما لهذا السبب فتر حماس الملك سلمان للذهاب إلى مؤتمر كامب ديفيد، الأمر الذى كان مصدر قلق دائم لواشنطن على امتداد الأسابيع التى سبقت عقد المؤتمر.
وخلاصة القول إن حوار العرب مع إيران قد لا يحقق كل الأهداف المنشودة، لكن الأمر المؤكد أنه لن يضر ولن يزيد الأمر سوءاً، وربما يكون أكثر جدوى من حوار واشنطن وطهران حول القضايا ذاتها، لأن الرأى العام الإسلامى والعربى سوف يكون شاهداً على كل الأطراف، وبقدر ما ينجح التحالف السعودى فى تأديب الحوثيين وكسر شوكتهم تزداد الضغوط على طهران، كى تأخذ موقفاً عقلانياً رشيداً.