عثمان الدلنجاوى
نبض الوطن .. في خطورة إهمال اللغة العربية..!
حماية اللغة العربية ليست ترسيخاً للارتباط بالماضي فحسب ـ وهو أمر محمود بالطبع ـ بل هي حماية للكيان الوطني والقومي. وتقوية للانتماء للحاضر وتعزيز بناء المستقبل.. ولمن يهونون من خطر االلغة. ويعتقدون أنه يمكن أن نبدع أو نخترع أو ننتج طعامنا وكسوتنا أو حتي نفكر بطريقة علمية بلغة أخري غير لغتنا.. أقول لهم: هل يمكن لمهزوم لغوياً أن ينتصر في معركة النهضة أو يستعيد حضارته أو قدرته علي التأثير في الحضارة الإنسانية..؟!
بالضد تتضح الأشياء. وإذا جازت لي المقارنة بين ما فعلته إسرائيل للغتها العبرية التي كانت ميتة فأحيتها وحولتها ـ بفضل جهود أليعازر بن يهود أول من نشر فكرة إحياء العبرية ـ من لغة دين وشعائر وطقوس إلي أداة لخلق الوحدة وتعميق الانتماء والولاء للأرض داخل المجتمع االصهيوني. إدراكاً منها بأن اللغة سلاح فعال في أي معركة ومن ثم فهي تشترط إجادة "العبرية" لمن أراد الهجرة إليها ولا تفتأ حكومتها تؤكد لمواطنيها أن الرباط اللغوي وليس التوراة هو رباطهم القومي الوحيد ولم تتوقف جهودها منذ عقد أول مؤتمر صهيوني في بال السويسرية والذي جعل من بعث "اليهودية" وتعليم العبرية لليهود أهم قضاياه.. بينما تتباهي نخبتنا وعليه قومنا بأن أبناءهم يتعلمون بلغات أجنبية ولا يعرفون وبال ذلك علينا حين يتولي أمرنا نخبة جدية منبتة الصلة عن تاريخها ولغتها نخبة تعاني انفصالاً عن االمجتمع وثقافته وتبدي انتماء إلي الغرب وثقافته وقيمه وانحيازاته وبدلاً من أن تكون طليعة للنهضة ومبشرة بالاستقلال ورافعة للتقدم تكون نقمة علي الأمة ومعول هدم وانحطاط وعنواناً للهزيمة الحضارية.
الكلام العربي كثير عن استراتيجيات النهوض باللغة الأم لكن لا تكاد توجد رؤية جماعية تعرف أين تضع أقدامها ولا ما الخطوات التالية لاستنهاض الأمة وبعث نهضتها اللغوية من مرقدها لاستعادة حضارتها المشرقة من جديد ولا ما يتوجب علي الأنظمة فعله الآن وليس غداً إذا كان ثمة إرادة سياسية للنهوض باللغة العربية وجعلها لغة الدرس والبحث والإبداع والهوية!
وإذا كان الانقسام هو العنوان العربي الرئيسي إزاء أزمات وجود في سوريا والعراق واليمن وليبيا وإذا كنا ننتظر ما قد تجري به مصالح وسياسات اللاعبين الدوليين والإقليميين الآخرين في منطقتنا بلا قدرة علي صد خطر أو منع كارثة فلا أقل من التوحد خلف لغة قومية يمكنها أن تجمع الشعوب العربية التي فرقتها السياسة ومزقتها المصالح الضيقة لبعض الأنظمة.
العالم العربي من خلال جامعته بحاجة لأن يجعله من تعليم اللغة العربية قضية رئيسية تعزز الانتماء والولاء فالإحساس بالعزة القومية يبدأ باللغة ساعتها ستكون الجامعة عربية اسماً ومعني.. فهل لنا أن نواجه حقائقنا قبل أن تلطمنا في وجوهنا انهياراً وتراجعاً.. وهل لنا أن نكون علي قدر قداسة لغتنا وعبقرية إسهامها الحضاري وأننا بدونها تضيع من أقدامنا الطريق فلا نجد للنهوض سبيلاً ولا للسيادة متكأ ولا للهوية معني.. باللغة تحيا الأمم.. ومنها تهدي للجد الواجب.. ولعل في عودة أفكار صمويل هنتنجتون لتحكم في البيت الأبيض من جديد ما يجعلنا ندرك أهمية اللغة والثقافة والتسامح والتعايش السلمي في صد رياح العنصرية والشعبوية التي تجتاح الغرب هذه الأيام والتي جلبت علي العالم ويلات النازية والفاشية في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته.