لما كان مفهوم "المواطن المثالي" مفهوماً غير محدد المعالم. يعبر عن تصورات مختلفة للذات والطبيعة الإنسانية. فقد حاول الفلاسفة والسياسيون علي مدار التاريخ. وضع معايير متنوعة لذلك المواطن الذي يقع علي كاهله تطوير المجتمعات للأفضل. لكن عند تأمل تلك التصورات سنجد أن بعضها أفضي إلي نتائج كارثية وليست فقط غير مثالية!!
وأول من وقع بيده علي ذاك التصور. كان "أفلاطون" الفيلسوف اليوناني في كتابه "الجمهورية" وحصره في شخصية "الملك الفيلسوف" ولما كان هو واضع لبنة الفلسفة المثالية وتحدث فيها عن المجتمعات الفاضلة فهو يري أن الفلاسفة هم أجدر الناس بالحكم. لأنهم أكثر الطبقات علماً بالفلسفة والمنطق. وأكثرهم معرفة أيضاً بالخير والعدل والحق. وقد خص "سقراط" أستاذه الأعظم ومعلمه الأول بذلك التصور.
أما "كونفوشيوس" الحكيم الصيني. فرأي أن "الجونزي" هو الإنسان المثالي والغاية. لكل ما نستطيع أن نرتقي به عن طريق أخلاقنا وأفعالنا النبيلة. وبذلك بات المصطلح مرادفاً لكل شخص يحاول جاهداً للتغيير للأفضل والأجمل.
ورغم مثالية الفكرة إلا أنها يجب أن تعكس علاقة الفرد بحكومته ومجتمعه وبالمحيطين به. فيشارك في عمل الخير ويسعي للمعرفة والحكمة. يكون جديراً بثقة من حوله.
لكن "نيتشه" الفيلسوف الألماني قد اختلف عمن سبقوه. فعندما تصور الإنسان الأعلي أو "السوبر مان" في كتابه "هكذا تكلم زرادشت" بناه علي العوامل النفسية لا علي الفلسفة أو الأخلاق أو القدرات الجسمانية. إذ أن "السوبر مان" كالطبيعة في قدراتها. وهو يستطيع أن يتجاوزها لكي يصل إلي طموحه بالتحرر من كافة الأفكار والمعتقدات القديمة ويصنع المثل الخاصة به لأنه مستقل فكرياً ومسئول عن العالم وهو الأجدر الذي يستحق الخير وكان الأقرب لهذا النموذج في رأيه نابليون. فولتير وجوته. ولكن كان عيب ذلك التصور أنه كان سبباً في تأسيس الأيدلوجية النازية. التي اعتبرت الجنس الآري. هو أرقي الأعراق واسماها والمتفوق علي غيره!!
غير أن "البطل الراندي" نسبة للفيلسوفة والروائية الروسية الأمريكية "آين راندي" هو الشخص المخالف للعرف. لأن تصورها للإنسان المثالي يتنافي تماماً مع القيم الأمريكية. فتري الإيثار والتضحية بالنفس ومساعدة الآخرين هي صفات غير أخلاقية. والإنسان الراقي هو من يسعي لسعادته الشخصية. وذلك ليس بخطيئة بل صفة حميدة!!
فتلك النظرية اتفقت مع ما جاءت به الفلسفة البراجماتية التي دمرت القيم والأخلاق!!
أما "المواطن المجهول" فقد استلهم فكرته الشاعر الأمريكي "ويستن هيو اودين" من تمجيد الدولة لأحد مواطنيها. الذي أفني حياته في خدمتها. وأقامت له نصباً تذكارياً. لأنه بلغ المدي في المثالية. واقترب من سلوك القديسين.
غير أن ذلك التصور. جعل من المواطن مجرد ترس في آلة الدولة. ولذلك يتساءل "اودين": هل كان المواطن المجهول حراً سعيداً؟!
وإلي لقاء في المقال القادم.