الوطن
د. محمود خليل
فى «مصرنا» ميليشيات
قرار لافت توصّل إليه مؤتمر القبائل السيناوية الذى عُقد يوم الأحد الماضى، يتمثّل فى تشكيل مجموعتين من شباب البدو لمحاربة الإرهاب فى سيناء، وكما جاء فى الخبر المتعلق بهذا الموضوع، تختص إحدى هاتين المجموعتين بجمع المعلومات عن الإرهابيين، فى حين تشارك الثانية فى الحملات العسكرية! المعنى فى هذا القرار واضح، فقد انتوت السلطة السماح لمدنيين من سيناء بحمل السلاح ضد الإرهاب، وأقول «السلطة»، لأن هذا المؤتمر تم تنظيمه تحت سمعها وبصرها، وأُعلنت قراراته عبر العديد من النوافذ الإعلامية، ولم يعلق عليها أى مسئول أو أى جهة رسمية، والسكوت علامة الرضاء، كما يقول المثل المصرى السائر.

هذا القرار يؤشر إلى أمرين، أولهما أن الأمن لم يعد بمقدوره خوض المعركة ضد الإرهاب فى سيناء بمفرده، وأصبح بحاجة إلى مشاركة الأهالى، ليس المشاركة على مستوى المعلومات فقط، بل على مستوى حمل السلاح أيضاً. ويبدو أن هذا الأمر أصبح واضحاً وبيناً على الأرض لمن يعيش فى سيناء، يدلل على ذلك ما جاء على لسان أحد مشايخ قبيلة السواركة فى حوار له مع «الوطن»: «الجيش يعمل فى سيناء منذ سنتين، يدمر ويكسر ويحطم ولم يصل إلى حل، ولن يصل إلى نهاية تلك القصة، لأنهم -يقصد الإرهابيين- مندسون وسط أبناء العشائر، لأن (أنصار بيت المقدس) تتشكل من كل القبائل، فكل قبيلة بها 15، وقد يزيد، من أولادها منتمون إلى تلك الجماعة، ولن يحل تلك الأزمة ويقضى على أولئك المتطرفين سوى القبائل نفسها». وجهة نظر بالطبع، لكنها تعنى أن السلطة لم تعد تمانع فى تكوين ميليشيات مدنية مسلحة، لمواجهة إرهابيين يحملون السلاح، ليس معنى ذلك بالطبع أن السلطة تخلت عن دورها كأداة للتأديب، لكنه يدلل على أنها سلّمت -بعد سنتين من المواجهة المعقدة- أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، وأنه آن الأوان لتوظيف مدنيين مسلحين فى مواجهة مدنيين إرهابيين. وذلك هو الأمر الثانى الذى يؤشّر إليه هذا القرار.

والواضح أن مسألة تشكيل ميليشيات مدنية لمواجهة الإرهاب فى سيناء ليست وليدة مؤتمر القبائل، بل ظلت تختمر عبر شهور طويلة، شهدت العديد من الترتيبات التى كانت تعلن عنها النوافذ الإعلامية من حين إلى آخر، حينما كانت تشير إلى توافقات واتفاقيات ما بين عواقل وقبائل سيناء لمواجهة الإرهاب، ومؤكد أن السلطة لم تكن بعيدة عن هذه الترتيبات، وربما كانت جزءاً منها. وفى تقديرى أن هذه الخطوة لم تخضع لحسابات كافية، فرغم قناعتى بتعقّد مشهد الإرهاب فى سيناء، والجهود التى يبذلها الأمن فى مواجهتها، فإننى أظن أن تدخل الأهالى فى الأمر، قد يعقّد المشهد أكثر، أضف إلى ذلك أن نتائجه غير مأمونة، ولو كان لدى السلطة وعى بطبيعة وتركيبة هذا الشعب، لفهمت أنها تطلب مستحيلاً. المصريون ليسوا قبليين، ولا غارقين فى المذهبيات الدينية أو السياسية، المصريون لا يعرفون من أنواع الخصومات، سوى الخصومة الثأرية، وليت الواقفين على حافة المواجهة يفهمون أن حكاية الثأر تلك، تعد محركاً أساسياً من محركات تواصل فكرة حمل السلاح!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف