المساء
مؤمن الهباء
التحرش بالقضاء!!
يبدو أن حزب إثارة الأزمات لن يهدأ له بال حتي يحول البلد إلي ساحة للصراعات التي لا تنتهي.. إذا خَفَّتْ حدة أزمة. سارع إلي إشعال أزمة أعتي من الأولي.. وهكذا خرجنا من أزمة تيران وصنافير. إلي أزمة تعويم الجنيه. وإشعال الأسعار. ثم أزمات متتالية مع النقابات المهنية: الصحفيين والأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين.. وأخيراً التحرش المفاجئ بالقُضاة.. من خلال تعديل قانون الهيئات القضائية الذي ترفضه كل الهيئات القضائية جملة وتفصيلاً.. وتري فيه اعتداءً سافراً علي استقلال القضاء.
وقبل أن تهدأ هذه الأزمة هدد النائب المثير للجدل محمد أبوحامد. بتقديم مشروع قانون لخفض سن معاش القُضاة من 70 إلي 60 عاماً.. فيما يبدو أنه محاولة لعقابهم علي رفض قانون تعديل الهيئات القضائية.. أو رغبة ساذجة في مساومتهم بصفقة مكشوفة.. اقبلوا قانون الهيئات مقابل ترك قانون سن المعاش!!
وإزاء هذه الممارسات العجيبة من جانب البرلمات نتساءل: هل انتهت مشاكلنا مع الغلاء والبطالة وسوء التعليم وتدهور الخدمات الصحية. حتي نفتح صفحة جديدة من الأزمات مع القضاء الذي هو عنوان الأمن والعدل؟!.. أم أن المطلوب أن نظل في مشاكل وأزمات متتالية. ولا نشعر بالاستقرار؟!!
لقد كان من الواجب استشارة القُضاة في التعديل الجديد. وضمان رضائهم عنه.. رغم أن موقفهم كان واضحاً في الرفض التام لهذا التعديل الذي يجعل تعيين رؤساء الهيئات القضائية بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة مرشحين.. بينما يقضي الوضع القائم والمستمر منذ سنوات طوال أن يكون تعيين رؤساء الهيئات بالأقدمية المطلقة. حتي لا يكون هناك أدني شك أو شبهة.
ويري القُضاة أن هذا التعديل يزج برئيس الجمهورية في مسألة ليست من اختصاصه.. وهي تعيين رؤساء الهيئات القضائية.. ناهيك عن أن التعديل في حد ذاته يشكل تغولاً من السلطة التشريعية علي السلطة القضائية.. ويفتح الباب أمام تدخل السلطة التنفيذية في شئون السلطة القضائية. بما يهدد مبدأ فصل السلطات.
ومعلوم للكافة أن المستقر في التقليد القضائي أن تراعي الأقدمية المطلقة في تعيين رؤساء الهيئات القضائية.. وهو تقليد معتمد ومستمر وثابت.. ولم تطلب أي جهة قضائية تغييره أو تعديله.. لأنه يضمن استقلال السلطة القضائية وعدم التدخل في شئونها.. وما يثار اليوم عن الهدف وراء تعديل هذا التقليد يضر كثيراً بسمعة القضاء المصري.. ويلقي عليه بشبهات غير لائقة. وغير مشرفة.. فهل يمكن تغيير قانون أو تعديله من أجل إبعاد قاض معين من أن يصل إلي منصب رئيس هيئة قضائية. لأنه أصدر حكماً أغضب البعض؟!!
إن استقلال القضاء واحد من أهم عناصر القوة التي تتمتع بها مصر الدولة تاريخياً علي المستويين الإقليمي والدولي.. وهو سر احترام الأحكام القضائية وضمان قبولها لدي الشعب.. وأي مساس ولو من بعيد بهذا الاستقلال سوف يسيء إلي مصر والمصريين ويفقد الدولة كثيراً من هيبتها ومكانتها.. ويهز صورة منصة القضاء لدي المتحاكمين.
لابد أن يكون هناك عقل رشيد ينزع فتيل الأزمة قبل استفحالها.. ويعيد الأمور إلي نصابها.. حتي يدرك الأخ أبوحامد وأمثاله أن القضاء خط أحمر لا يجوز المساس به.. وأن كل من اقترب من هذا الملف الشائك. احترق به. ودفع الثمن غالياً.. وعندما يكون الصدام حتمياً بين البرلمان والقضاء. فسوف يقف الشعب مدافعاً عن قضائه ضد أي اعتداء.
القُضاة أصحاب الكلمة الأولي والأخيرة فيما يخصهم من قوانين.. وعلي كل الجهات والأفراد الذين تستهويهم إثارة الشغب واختلاق الأزمات. أن يكفوا أيديهم عن القضاء وعن القُضاة.. ومن الأفضل أن يراجعوا أنفسهم وينزعوا فتيل الأزمة.. فيريحوا ويستريحوا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف